الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حكم التابلت .. أنموذج عملى للوعى بالقانون

حكم التابلت .. أنموذج عملى للوعى بالقانون






يعد الحكم الصادر مؤخرًا من مجلس الدولة بدائرة قضاء إدارى (أى حكم قابل للتنفيذ فورًا) أنموذجًا عمليًا للوعى بالقانون، ومثالاً حيًا لمن يريد أن يتدارس واقعات الدعوى ومراحل نظرها حتى صدور الحكم فيها؛ فقد عمدت هيئة المحكمة الموقرة إلى تأكيد هذا الوعى فى حيثيات حكمها، الذى ضمنته – فضلا عن القواعد المتبعة لتسبيب الأحكام – عبارات محددة، وأدلة دامغة، وصياغة أدبية رفيعة، وكلمات ساطعة بالبيان، ففى الشطر الأول من الحكم، شرحت المنظومة المنهجية للإجراءات التشريعية المتبعة لإقرار القوانين، ومن ثم تحديد مسئولية ذوى الشأن حيالها ؛ فقضت بعدم قبول دعوى ضد وزير التربية والتعليم لانتفاء القرار الإدارى، وفى الشطر الآخر أوضحت حدود ولاية قضاء مجلس الدولة دون أن يحل محل الإدارة فى الاختصاصات الموكولة إليها، وذلك انحناءً لصحيح حكم المشروعية، ونزولاً على اعتبارات سيادة القانون ؛ فحكمت - وفى حدود الفصل فى الشق العاجل من الدعوى دون التوغل فى الموضوع - برفض طلب وقف تنفيذ قرار وزير التربية والتعليم فيما تضمنه من اعتماد نظام الدراسة والتعليم باستخدام اللوح الالكترونى (التابلت)، من خلال شبكة الإنترنت.  
وأسوق – فى عجالة – بعض فقرات من ذلك الحكم، الذى أفصح عن وطنية مصرية جياشة تتخالج فى أعماق قضاته، كما كشف النقاب عن وعيهم بمكنون فلسفة النظام وغاياته المتفردة لجميع الأطراف، فجاءت فقراته تترى وتتوالى فى تتابع وتناغم مبدع كالتالى: «والمحكمة  إذ تقضى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإنها لتدرك أن تطوير التعليم أصبح ضرورة حتمية باعتباره يمثل الجناح الثانى لمنظومة إعادة بناء الإنسان المصرى التى تقوم على النهوض بمنظومتى التعليم والبحث العلمى، لما يمثلانه من أهمية بالغة فى تحقيق التنمية المستدامة التى تسعى إليها الدولة تلبية لأهداف ثورتى 25 يناير – 30 يونيه، مما يجب أن يحظيا بالأولوية الأولى فى أى مشروع قومى للدولة، وأن تسخر لهما كافة الإمكانيات اللازمة، وهو ما يتطلب شجاعة من صانع القرار السياسى فى إطار الشرعية الدستورية والقانونية، وتقبل وتفهم من المواطنين لما يحيط بالتطوير من صعوبات وما يستلزمه من تضحيات فى سبيل تحقيقه . وعليه فإن المحكمة تهيب بكافة مؤسسات الدولة ذات الصلة أن تتضافر جهودها مع وزارة التربية والتعليم حتى يؤتى المشروع أكله على النحو وفى الوقت المطلوب، كما تهيب بأولياء الأمور تقبل النظام وعدم مقاومته حتى يتسنى  للوزارة المضى فى تقييمه وتقويمه، فالتطورات السريعة فى السياسة العالمية والاقتصاد العالمى تجعل المنافسة التى ستواجه الأبناء للحصول على وظيفة فى المستقبل القريب، تتطلب التحلى بالصبر والمثابرة».
 ومما يدعونى شخصيًا للتأمل وتخصيص مقالى الأسبوعى للحديث عن حيثيات هذا الحكم - الذى أصفه  فى تقديرى بالحكم التاريخى - أنه يذكرنى بتلك الأحكام التى عكفتُ على قراءتها والاستفادة منها خلال عملى القضائى فى النيابة العامة وعلى منصة القضاء، والتى عرضتُ لبعض منها فى الأجزاء الثلاثة من كتابى  (من روائع الأدب القضائى) التى نشرتها مكتبة الأسرة أعوام 2001 و 2002 و 2003، والتى صدرت من بعد كمجلد ضخم فى 1050 صفحة، كتب له التقديم الأديب العالمى وصاحب نوبل «نجيب محفوظ».
وأحاول من خلال جهودى الفردية المتواضعة أن تصبح ثقافة الوعى بالقانون- ومن أهمها الأحكام القضائية - ثقافة مجتمعية متاحة للكافة، وليست قاصرة على أهل التخصص الدقيق من القضاة والمحامين والباحثين وغيرهم، لقناعتى اليقينية واعتقادى الراسخ أنها هى سر النجاح والتقدم للأمم والشعوب على حد سواء، وأنه بقدر ثقافتك القانونية (العامة) بقدر تجنبك للذلل والخطأ وتعرضك للمساءلة خلال مسيرتك الحياتية، ومنها ما صدر فى  مطلع هذا العام وهو كتاب «القضاء الدستورى فى خمسين عامًا لحماية حقوق الإنسان وضمانات التقاضى « والذى عرضُت فيه لثلاثين حكمًا صدرت عن المحكمة الدستورية العليا، واستضافه معرض القاهرة الدولى للكتاب فى احتفالية شارك فيها كبار قضاة الدستورية ورموز القانون والثقافة والاجتماع والإعلام والشخصيات العامة.
  وبالقانون تحيا مصر،،