
صبحى شبانة
أردوغان يعيد إنتاج داعش
بخطئ من يعتقد بأن السياسة معادلة رياضية، فيها بالضرورة الطرف الأيمن يعادل الطرف الأيسر، هى قائمة على المتغيرات الفجة والنفعية المطلقة، لا تأبه بالقيم التى درجنا عليها فى الشرق العربى الذى ظل يعلى من منظومة القيم والمبادئ فى مواجهة الغرس الاستعمارى الذى خيم على عوالمنا وقهر أجيالنا وصدر لنا طيلة قرون اليأس والإحباط.
لن نستطيع فهم المشاريع الاستعمارية الغربية والإقليمية التى تتوالى على محيطنا العربى إلا إذا غيرنا من منهجية تفكيرنا وطرق التعامل مع أساليب العصر والإحاطة بفنون المكر والخداع التى تلتف حول أعناقنا وتحيط برقابنا من كل جانب، القوى الاستعمارية تغير جلودها كما أدواتها ونحن على حالنا لا نتبدل أو نتغير، الصدمات الكثيرة والمتلاحقة لم تؤثر فينا، نهب ثرواتنا التى نضبت أو أوشكت لم تفلح فى إفاقتنا، العالم العربى لم يتبق فيه كتلة صلبة سوى مصر والسعودية والإمارات التى تتعرض جميعها لهجمة استعمارية تحالفت فيها القوى العظمى مع القوى الاقليمية وتنظيم الإخوان الإرهابى بكل توابعه وملحقاته.
الأوضاع المتردية لا تحتاج إلى مزيد من الجهد لتوضيحها أو إلقاء الضوء حولها فمع تطور مجريات الأحداث وتعقدها فى سوريا، وتبدّل الأولويات، وتباين بعض المواقف الدولية حيال الاعتداء التركى على سوريا وبرغم كل الإدانات وبيانات الشجب والتنديد، إلا أنه لا يختلف أحداعلى وجود مباركة أمريكية، وقبول روسى، وصمت أوروبى باستثناء الموقف الفرنسى الذى عبر عنه الرئيس ماكرون.
المواقف الدولية حيال العالم العربى باتت مفضوحة ورغم ذلك ما زال بعضنا يراهن على هذه المواقف الثابتة ضد قضايانا، فلا شىء جديدا، السلوك الأمريكى الذى إنتهجه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه العدوان التركى على سوريا منطقى ومتوقع فى ظل السياق العام للسياسة الأمريكية التى انتهجتها الولايات المتحدة مع جميع دول المنطقة باستثناء إسرائيل، والرئيس الروسى بوتين الذى أنهى زيارة ناجحة إلى دول الخليج فى محاولة لملأ الفراغ الذى خلفه فشل المشاريع الأمريكية فى المنطقة حرص على طرح نفسه بديلا لقضم ماتبقى من الثروات العربية، رافعا شعار عبر عنه المثل المصرى الشعبى الدارج «فيها أو أخفيها» أو مايشابهه فى العراق «العب أو أخربط الملعب».
ترامب يقامر بمصالح أمريكا فى المنطقة لكسب الرأى العام الداخلى فى محاولة للهروب من المأزق السياسى الذى يوشك أن يطيح به خارج البيت الأبيض إذا ما نجحت الإجراءات التى بدأها الكونجرس لعزله، الإدارة الأمريكية مترددة تفعل الشىء وضده، تنفى مساء ما أكدته صباحا، تعلى مصالحها غير عابئة بالضرر الواقع على الآخرين، إنها إرهاصات متكررة تسبق أفول الحضارات، عبر عنه المفكرون بـ«كسر الجدار »فى رمزية إلى بدء رحلة السقوط والإنزواء داخل الحدود، فبعد أن استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية اكراد سوريا فى الحرب على داعش وبعد أن نالت منهم ما تريده تركتهم يواجهون مصيرهم الدامى وألقت بهم تحت وطأة آلة عسكرية غاشمة بعد أن تخلت عنهم فى سلوك أمريكى معتاد، بات أكثر وضوحا فى ظل إدارة الرئيس ترامب الذى يدير سياسة بلاده بوجه مكشوف غير عابئ بحليف أو شريك أو صديق، إنها الديماجوجية فى ابشع صورها.
وبرغم كل التبريرات التى ساقتها تركيا إلا أن الهدف من الحرب بات أكثر وضوحا وهو بشكل مباشر الإفراج عن نحو 30 ألف داعشى يقبعون فى السجون السورية، لينضموا إلى نحو 60 الداعشى يتخفون فى جنوب تركيا انتظارا لإعادة إطلاقهم، تحالف أردوغان مع داعش لا يحتاج إلى جهد أو دليل، فتركيا الدولة الوحيدة التى رفضت التوقيع على بيان مؤتمر جدة عام 2014 الذى أجمع فيه كل المشاركون على تشكيل تحالف دولى لمواجهة ومحاربة تنظيم أبوبكر البغدادى، فى تلك الفترة نشطت المخابرات التركية فى نقل اطنان من شحنات الأسلحة إلى داعش داخل الحدود السورية، وتحت الحدود التركية السورية أمام الإرهابيين الذين وفدوا من كل دول العالم لينضموا إلى الدواعش فى سوريا.
استخدام أردوغان للدواعش فضحه رئيس وزراء تركيا السابق الذى عزله أردوغان مطلع العام الجارى بعد أن كان رفيقا له، عندما قال: إنه لو كشف تفاصيل ملف التفجيرات الإرهابية التى نفذها «داعش» فى تركيا عام 2015، والتى تمت لحساب مصالح أردوغان وبالتنسيق معه لما كان الكثير من المسئولين قادرين على الخروج إلى الشارع، حينها اتُهمت المعارضة الرئاسة التركية بتدبير تلك العمليات التى قتلت وجرحت المئات، ليحصد بعدها أردوغان المزيد من الأصوات، بوهم أنه القادر على حماية حياة المواطنين الأتراك، أردوغان يسعى إلى إنتاج داعش مجددا.