ابراهيم رمضان
سحرة القرن
هل مارست السحر يومًا، أو قررت أن تقرأ فى كتبه، ربما تجد طريقة تسعد بها حياتك، وتعيش كيفما تريد؟!
ربما تراودك بعض الأحلام فى محاولة للتعرف على هذا العالم الخفى، الذى لا نراه ولكننا نسمع ونقرأ عنه كثيرًا.
برديات الفراعنة سجلت قصة مثيرة عن السحر، تقول: إن كاهنًا اكتشف خيانة زوجته له مع شاب، فما كان منه إلا أن صنع تمساحًا صغيرًا من الشمع، وانتظر حتى نزل الشاب إلى المسبح ليغتسل، فألقى الكاهن تمساح الشمع فى المسبح وقرأ عليه تعويذته السحرية، فتحول التمساح الشمعى إلى تمساح مفترس فتك بالشاب.
ربما ينكر بعضنا حقيقة وجود «السحر»، إلا أننا وللأسف واقعون تحت تأثير إحدى أقوى «تعويذاته».
ماذا؟! بعد أن وجه الباحثون فى كبرى الجامعات والمراكز البحثية جهودهم، لإيجاد طريقة لتطوير أجهزة «الكمبيوتر» وجدوا الحل مؤخرًا فى أحد كتب علماء القرن الـتاسع.
مثَّل الكتاب كنزًا ثمينًا للطامحين والمبتكرين والراغبين بالسعى للسيطرة على عقول الآخرين عن بُعد، وإقناعهم لاتباع سلوك معين فى (الشراء - الحياة - التفكير(، وكذلك التعامل مع الآخرين.
أنقذ الكتاب وما يحويه من علم سمعة هؤلاء العلماء، باعد بينهم وبينهم اتهام البعض لهم باتباع أساليب غامضة من «السحر».
وقعت عيونهم على إحدى أهم المعادلات، التى قادتهم نحو هدفهم مباشرة، ومهدت الطريق لتلاميذهم لمواصلة البحث والتطوير.
إنها الـ«تعويذة» السحرية التى أطلق عليها «الخوارزميات» باسم مبتكرها عالم الرياضيات جعفر محمد بن موسى الخوارزمى – المولود فى بغداد (780 – 850م) ــ وهى مجموعة من الخطوات الرياضية المتسلسلة التى يمكن من خلالها حل بعض المشكلات المعقدة.
أطلق الباحثون والعلماء على «بن موسى» لقب أبوالحواسيب، متخذين من ابتكاره نقطة انطلاق لمواصلة التطوير وصولًا لأجهزة الهواتف الذكية التى صارت فى أيدى الجميع.
بفضل «تعويذة» الخوارزمى السحرية وصلنا لمحطة (الذكاء الصناعى)، التى مكنت الشركات المختلفة صاحبة المواقع والتطبيقات التى نستخدمها بكل الأشكال من معرفة كل سلوكيات المتعاملين معها بل وتوقع خطواتهم التالية.
خلال اتصال هاتفك «الذكى» بالإنترنت، إذا تركت مواقع «التواصل الاجتماعي»، مفتوحة، وتحدثت مع أى شخص فى نطاق مكان تواجدك عن أى شيء، فما هى إلا ثوانٍ معدودة وستجد فى الترشيحات كل ما يشبه الأمور التى تحدثت عنها وربما تجدها هى نفسها.
العملية السابقة ليست مقصورة على مواقع «الانعزال الاجتماعى»، ولكنك ستجدها فى مواقع البحث أيضا مثل (جوجل) - الذى أصبح يحتفظ بسجل كامل لجميع عملياتنا البحثية بالإضافة لتسجيلات صوتية.
هل حدث معك ما سبق؟! بالطبع كثيرًا، ربما لاحظت ذلك أو لم تلحظه، شئت أم أبيت، فقد صرت واقعًا تحت تأثير تعويذة «الخوارزميات» التى تطاردك ليل نهار تراقب كل أفعالك، ترصد كل حركاتك وتصرفاتك.
مؤخرًا كشفت عدة تقارير إخبارية، أن هذه المواقع تسجل «دردشتك» الشخصية، وبعض الحوارات التى قد تجرى بينك وبين آخرين فى أى مكان كنت حتى أحاديث «غرف النوم» عبر «هاتفك «الذكى».
فى عام 2012 حصل لويد شيبلى - عالم رياضيات أستاذ فخرى فى الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا - على جائزة نوبل فى الاقتصاد لابتكاره خوارزمية «الزواجات المستقرة»، وهى «الخوارزمية التى تستخدمها دول مثل «الصين وألمانيا وإسبانيا» فى تحديد أى من الجامعات التى سيرتبط بها الطلاب فى قائمة اختياراتهم، بينما فى بريطانيا تستخدم هيئة الصحة البريطانية هذه التقنيات فى التوفيق بين المرضى الذين يحتاجون لنقل كلى وبين المتبرعين.
الهدف الرئيس لهذه الشركات التى تتصارع على (خصوصيتك)، والذى يدفعها لضخ المليارات، هو أن تظل مرتبطًا بمنتجاتها المختلفة طوال الوقت، لأنك بمثابة «زبون» تستفيد مما تقدمه لك بشكل مجانى من أدوات وتطبيقات، بينما تحصل هى على جميع البيانات الخاصة بك.
تبيع هذه الشركات بيانات مستخدمى منتجاتها لشركات أخرى لتستخدمها فى تسويق منتجاتها، فمثلا قد ترغب شركة إنتاج هواتف محمولة فى معرفة الإمكانيات التى يرغب الشباب فى دولة ما فى اقتنائها فى هواتفهم والأسعار التى يتوقعونها، وهنا ستتوجه الشركة لشراء هذا الأمر من مواقع البحث كى يعمل عليها فريق التطوير والتسويق وتتحول لمنتج يدر عليها المليارات.
ربما لا يزال البعض لا يؤمنون بالسحر، إلا أن هذا لا ينفى وقوعهم تحت سيطرة واحدة من أقوى تعاويذه فى القرن الحادى والعشرين.