الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حسين حرفوش: لا ينبغى للشاعر أن يعيش فى برج عاجى والشعر دوره الوقوف أمام الظلم والظالمين

حسين حرفوش: لا ينبغى للشاعر أن يعيش فى برج  عاجى  والشعر دوره الوقوف أمام الظلم والظالمين
حسين حرفوش: لا ينبغى للشاعر أن يعيش فى برج عاجى والشعر دوره الوقوف أمام الظلم والظالمين




حوار - خالد بيومى

«حسين حرفوش، شاعر مصرى، استطاعت روحه الشعرية أن تتخلص من قيود الضرورات البائسة التى تكبل حياة الفرد، وأن تنطلق بعد ذلك مرفرفة، ترى فى هذه الأرض جمالا، وفى تلك الحياة متعة، وهو يؤمن بأن الشاعر لا ينبغى أن يعيش فى برج عاجى أو ينعزل عن مجتمعه.. ولكن عليه أن يتفاعل مع واقعه وينخرط فى مشكلاته.
صدرت له أربعة دواوين شعرية هي: «الخائفون، زهرة غاردينيا، مقاطع من زمن الحجاج، حلم فتى أسمر»، ومجموعة نثرية بعنوان «التعلب فات.. فات» يكتب المقالات والشعر فى العديد من المجلات والصحف العربية، ومثل مصر فى احتفالية يوم الشعر العالمى فى الدوحة 2015، كما حصل على درع التميز فى مهرجان الشعر العربى الأول فى الإسكندرية عام 2012... فإلى حوارنا معه:

■ كيف ومتى بدأت علاقتك مع الشعر؟
- بدأت علاقتى بالشعر فى سن مبكرة، وكان المشجع الأول والدتى بحكايتها للسيرة الهلالية وهى ترنّمها أثناء أعمالها المنزلية، وتسهب فى وصف جمال نسائها فدفعتنى إلى ترنيم الكلام ثم إلى عشق مثال المرأة الجميلة فى ثوب البطولة والقيّم، وكتبت الشعر زجلًا وأنا طالب فى المرحلة الإعدادية والثانوية، وكان للإذاعة المدرسية دور فى هذا، ثم جاءت مرحلة الفصحى فى رحاب جامعة الإسكندرية برعاية الأساتذة «د.محمد زكى عشماوى، د.سامى منير عامر، ود.عباس بيومى عجلان».
■ لماذا اخترت كتابة الشعر فى ظل تردد مقولات عن موت الشعر وانحساره؟
فى الحقيقة أنا لم أختر الشعر، بل هو من اختارني، فالشعر موهبة قبل أن يكون اختيارا، وهو لم يمت وإنما أفل نجمه قليلًا مع سطوع الفن الروائي، وربمّا انحسار مستوى التذوق للكلمة الشعرية بسبب ما أصاب الفصحى، لذا أوافقك القول إن الشعر الآن فى حالة ركود.. ولكن سينهض.. فالشعر جزء من وجدان الأمم الذى يحفظ تاريخها وتراثها.
 - دور الشعر هو دور كل فنٍّ راقٍ أمام هذا الواقع، ألا وهو الوقوف أمام الظلم والظالمين مهما كانت جراح الشعر:
جُرحى.. هو الجُرحُ الذى يَتَبَسَمُ..
من لَونِهِ.. أخَذتْ ضِيَاهَا الأنْجُمُ
سأظلُّ أحيا، غَايَتِى، فى رايَتِى..
فعلى طريقِى يارِفاقُ تَقَدّمُوا
ثُورُوا.. ولو بالقول إن سكوتَكم عن ظلمِهم..
هو فى الحقيقةِ.. أظلَمُ!!
■ ديوانك الأول جاء تحت عنوان «الخائفون».. هل الخوف سمة العصر؟
- الخوف تيمة ملازمة للذات، وهو فى الفطرة، ألم تسمع وصايا الله حتى للأنبياء والمؤمنين بالثبات فيقول «فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ أن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»، وديوان «الخائفون» ولد فى فترة عصيبة من تاريخ الأمة العربية، فترة ما يسمى بالربيع العربي.. والديوان قدّم له الناقد الدكتور مدحت الجيار وفى مجمله يحذر من الخوف وينعى على الخائفين.. أقول فى قصيدة «أخاف ياصغيرتي»:
يَشُـدُّنِى الحنينْ.. لِـمَلْعَـبٍ وَسَــاحْ
لِـمَوْســمِ الـحَـصَـادِ.. وفَـرْحَــةِ الفَـلاَّحْ
لـمَوْطِنٍ.. رُبُـوعُــهُ مَـوَاسِــمُ الجَمَـالْ
أَحِنُّ يا صغيرتي.. ويَكْبـُرُ الحنينُ.. ويكبُرُ السُّـؤال
وكيفَ.. كيفَ.. كُـلُّ كيفَ... تَجْـرَحُ الخَـيَـالْ
أَحِنُّ يَـا صَـغيرتى وَيَصْمُتُ اللِّـسَــانُ...عن قولهِ الـمُـبَـاحْ
أَرْجُـوكِ أَلاَّ تَـسْـأَلِـي.. فَتُـولَـدُ الجِرَاحْ...
■ الخوف يستدعى سؤال عن علاقة المبدع بالسلطة.. كيف ترى هذه العلاقة؟
- الشاعر لا يعيش فى برج عاجى هو منفعل متفاعل مع واقعه، ولأنّه يعشق الحرية لذلك فهو يرفض سلطة القيد، وأقصد هنا السلطة العامّة التى تقيّد حرية الشاعر، مهما كانت تلك السلطة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو نفسية، فالشاعر بطبيعته متمرد:
صِرْتُ وَحْدِي.. لا ضَيْرَ أن صِرْتُ وَحْدِي..
هِيَ كَلّا ومَهْمَا كَانَ الألَمْ
سوفَ أحْيا.. والصّبْرُ زَادٌ ولكنْ.. لنْ أكونَ غنيمةً تُلْتَهَمْ..
يا رفيقي.. لو الذئابُ تدَاعت هلْ أفرُّ وأرْمِى سيْفًا وسَهمْ؟!!
هو شِعْرِي.. ورُبّ حَرْفٍ بسطرٍ
بثَّ رُوحَ الحياةِ.. أحْيَا الأمم!!
■ ديوانك الثانى جاء تحت عنوان «زهرة غردينيا».. ما التجربة الإبداعية التى يطرحها الديوان؟
- الدعوة للحب والجمال والخير، عسى أن تُزهر فى وجدان الأمة زهرة غاردينيا، لذا قال عنه أحد النقاد أنه استراحة مقاتل على صدر حبيب.. أقول فى بدء الديوان:
يا ربِ! اجعلنى عِطْرًا فى وردَةِ فُلْ.. أو لوْنًا أخْضَرَ فى غُصْنٍ يمتدُ فَيهدِى الناسَ حنانَ الظلْ.. أو همسةَ حُبٍ تسْكُنُ حَرفْ.. أو نسمةَ صَيفْ
أو كفًا يُطْعِمُ قلبًا رَاحةَ بالٍ من همٍ.. من حزنٍ.. من خوفْ
أو نغمةَ ذِكْرَىَ.. تسْكُنُ همسَةَ شوقٍ فى قلب الهمسْ
يا ربى ها أنا ذا.. مولودًا عُدتُ إليكَ فَحَرّرْني.. من حُزنِ الأمسْ.
■ ديوانك الأخير جاء بعنوان «حلم فتى أسمر» لماذا ضيّقت مساحة الحلم وقصرتها على الفتوة والسمرة؟
- الشاعر ابن بيئته، ومن واجبه التشهير بمميزات أمته ويقتضى الأمر من خلال ذلك مصداقية تجعلنى أكتب عن السُّمرة، وتكون السمراء هنا رمزا لمحبوبته ووطنه:
وإليكِ أنتِ لَسَوْفَ أطْويهِ المَــــدَىَ شَوْقًا.. يُسَابِقُ لَهْفَتِي.. إصْرَارِي
فإذا نسيتِ.. وبالظنُـــــــونِ طَعَنْتِنِى وهَجَرْتِ ظلمًــــا رَبْوَتِى ومَدَارِي؟!
فأنَــا ابنُ طينِ الأرض لستُ مُبَرَءً أبَـدًا من الأخطـــاءِ... والأوْزَارِ
هاتِى يَدَيْــــكِ إلى يَــــــدَيّ، بِبُعدِنَــــــــــا سَنَتُوهُ يا (سمراءُ) فى الإعصَـــارِ
كُونِى معي، فالرّبْوَةُ العَطْشَىَ غَـــدً اتزْهُو بفَيْضِ مَوَاسِـــــمِ الأمْطَـارِ
أما الفتوة فهى الشريحة المستهدفة ومستقبل الأمة.
■ هل ما زالت الأحلام ممكنة كما يقال؟
- بالطبع، ممكنة الأحلام مادامت الحياة.. أقول لمحبوبتى: مهما يُرَدّدُ الصَدَىَ يا حُلْوَتِى الأنينْ.. دُرُوبُنَا الطَوِيلةُ.. الطّويلةْ.. تَحْتَاجُ حُبّنَا الدّليلْ..
ولْتَذْكُرى مَا دُمْنَا فِى الحَيَاةِ.. لا شىء مُسْتَحِيلْ..
■ بمن تأثرت فى أشعارك؟
- باتجاهين، الاتجاه الأول: الرومانسى وشعرائه بدءً بجبران إلى نزار قبانى وفاروق جويدة، والاتجاه الواقعى بدءً بالبياتى والجواهرى وعبد الصبور إلى أمل دنقل.
■ ما القضية التى تؤرقك؟
- أهم قضية تؤرقنى (ألا يأخذ صاحب الحق حقه) وهذه القضية نضع تحتها كل الآلام والجراح التى يعانى منها الإنسان فى واقعنا المعاصر.
■ لماذا اختفت ظاهرة الشاعر النجم بعد رحيل نزار قبانى ومحمود درويش؟
- لأن الشعر فقد هيبته ومكانته لأسباب كثيرة، فالواقع العربى يعيش حالةً صعبةً هذه السنوات، ومع التطور التكنولوجى وبروز ما يسمى بالأدب الإلكترونى فتح المجال أمام جميع من يستطيع أن يخطّ حرفا فلم تعد تفرق بين الصالح والطالح، وربّما انتصار للرداءة فى أحيان كثيرة بكثرة المصفقين والمجاملين.
ثم أضف إلى ذلك غياب المؤسسة النقدية الجادة، وانتشار المحسوبية بمختلف أنواعها حتى وصلت للمؤسسات الإعلامية الثقافية الرسمية، فأذاعت صيت الضعيف، وأسقطت المثقف الجاد، وشجعت الرديء وغضّت الطرف عن الجيّد.
■ كيف تحضر المرأة فى شعرك؟
- تحضر المرأة فى صورتين:
المرأة الأنثى: كبنت وزوجة وحبيبة.. والمرأة الرمز فى صورة الأرض والوطن.
■ ما رأيك فى المكتبة الرقمية؟
- المكتبة الرقمية مستودع للمعارف البشرية كما يقول ويلز، فهى صورة للتطور الرهيب الذى يشهده العصر، فالعالم صار قرية واحدة، بفضل المكتبة الرقمية قربت الثقافات والمسافات، وتسهيل وصول المعلومة للباحث.
■ أخيرا ما الذى تنصح به.. وما الذى تردده من شعرك بينك وبين نفسك؟
- احرصوا على التفاؤل مهما حدث ويحدث فى الحياة، لتشعروا بطعم الحياة، واحرصوا على التسامح مهما حدث، لتشعروا بطعم السعادة، وأردد من شعرى:
يا أمسُ.. أنسَـاكَ.. منذُ الآن غَادِرْنِي،
فَغَيْمَـةُ الحُبّ.. تُمْطِرُنِى هُنا الفَرَحَـا
يا جُرْحُ أنسَاك، إنّى ارتجِى أمَـــلًا
بهِ سأحيَا.. وسَامَحْتُ الذى جَرَحَا.