الروائى منتصر القفاش فى حواره لـ«روزاليوسف»: الكتابة قادرة علـى تجديد الحياة
إسلام أنور
حوار - إسلام أنور
تتميز كتابات الروائى والقاص المصرى منتصر القفاش بلغة خاصة تمزج بين رهافة الشعر ودقة الوصف، ومهارة فائقة فى التقاط أدق تفاصيل الحياة وتأمل الفرادة التى تحملها، فالحكايات التى تبدو للوهلة الأولى معروفة ومكررة، تظهر فى كتاباته بمعانى جديدة وصور متنوعة، لا تحمل إدعاء لحكمة وعمق زائف، بقدر ما تتحاور مع القارئ وتدعوه لإعادة التفكير فى تصوراته المسبقة عنها.
منتصر القفاش المدرس فى معهد اللغة العربية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومقرر لجنة الكتاب الأول بالمجلس الأعلى للثقافة، صدرت له ثلاث روايات «تصريح بالغياب»، و»أن ترى الآن»، و»مسألة وقت» ، وأربع مجموعات قصصية «نسيج الأسماء»، و«السرائر»، و»شخص غير مقصود» و«فى مستوى النظر»، كما فاز بالعديد من الجوائز من أبرزها جائزتى الدولة التشجعية، وساويرس الأدبية.. عن رحلته مع الكتابة دار معه هذا الحوار.
■ بدأت مسيرتك بكتابة القصة القصيرة، ثم انتقلت للرواية، كيف ترى فكرة التصنيف والتخصص فى نوع محدد من الكتابة الأدبية سواء قصة أو رواية أو شعر؟
ــ أحب أن أنظر الى الكتابة على أنها رحلة، فكل نص هو رحلة بذاته وطبيعة الرحلة أنها لا تُفرض عليها أحكام مسبقة، ولا تفرض عليها رؤى محددة، بالعكس فى الرحلة تتعرف على النص خطوة خطوة، النص هو الذى يفتح لك الجوانب المختلفة منه والأبعاد المتعددة.
لذلك لا أستطيع التعامل مع فكرة التخصص فى كتابة القصة القصيرة أو الرواية أو الشعر، لأن هذه النظرة المتخصصة تفرض على الكتابة شكلا مسبقا، وبالتالى تقيد حرية الكاتب، وأنا أميل أكثر إلى أن كل تجربة تطرح وتختار شكلها، فأحيانا يكون هناك نص اكتمل ظهوره الحقيقى فى شكل قصة قصيرة، وهناك نص آخر تبدأ فيه باعتباره قصة، وتجد نفسك أثناء الكتابة تتكشف جوانبه أكثر ويصبح اكتماله فى صورة رواية.
■ هل لديك طقوس أو استعدادات محددة للكتابة أم تدخل إلى النص بصورة عفوية؟
ــ لا يوجد استعدادات بعينها حتى أدخل فى النص، لكن أنا من الكُتاب الذين إلى حد ما يداومون على كتابة اليوميات، وأرى اليوميات أقرب ما تكون لورشة عمل خاصة بالمبدع ، ويمكننا اعتبارها شكلا من أشكال الاستعداد للحظة الكتابة المرتقبة.
■ فى مجموعتك القصصية «فى مستوى النظر» إشارات عديدة للتغيرات الاجتماعية وتغير القيم الجمالية وغزو المبانى الأسمنتية للمدن والقرى، كيف ترى انعكاس هذه التغيرات على الحياة فى مصر؟
ــ لا تذكر تلك التغيرات فى المجموعة القصصية بشكل مباشر، بل تظهر كتفاصيل فى التجارب التى تمر بها شخصيات القصص. بالطبع فوضى بناء العمارات، والارتفاع بها الى اقصى ما يمكن من أدوار سواء مسموح بها أم لا، بغرض الكسب واستغلال أى فراغ بغض النظر عن أى بعد جمالى فى المدينة، أصبحت سمة فى السنوات الأخيرة، ويمثل هذا لدى شخصيات الكتاب سلبا للفراغ والراحة التى كانوا يشعرون بها، وافتقادا لوجود مساحات تسمح بالتنفس.
■ إلى أى مدى تمثل لك الكتابة ملاذا من قسوة الواقع وتغيراته المتسارعة؟
ـــ الكتابة استمتاع برحلة لا تنتهي، وأعتقد أن التعامل مع الكتابة باعتبارها ملاذا، يحد من إمكانيات الكتابة ويحولها من غاية الى وسيلة، والكتابة كما أراها لا تعترف برسالة قاطعة الدلالة ، فالإبداع يطرح زوايا جديدة من أجل أن نرى الحياة، والكتابة لديها القدرة على تجديد النظر والحياة والإحساس بما نعيشه، فالكتابة ليست ملاذا ولكنها رحلة ممتعة.
■ كيف ترى الكتابات الأدبية التى تعبر عن تصورات أيديولوجية محددة؟
ـــ الكتابة التى تسيطر عليها أفكار سياسية محددة، نتيجتها الحتمية هى الفشل، لأنها تفرض وصفة ورؤية مسبقة على الكتابة، فأثناء فعل الكتابة نحن نرحل ونرتحل معها لنكتشف الحياة، والحضور السياسى فى العمل ليس الشكل الوحيد له أن يكون فجًا أو يافطة كبيرة، فيمكن أن يظهر المعنى السياسى فى تفاصيل صغيرة جدًا تكشف ملامح حياتنا والأسئلة التى تشغلنا.
وأظن أن الأعمال التى نعيد قراءتها تمتاز أنها تكتب عن الحياة واتساعها ولا تكتب عناوين سياسية وأفكارا مسبقة ومحددة، مثل أعمال كافكا وبورخيس وميلان كونديرا وبول أوستر وأعمال بدر الديب، هذه الأعمال مشغولة بالحياة وأسئلتها ولا حدود لها، ولا تستطيع أن تحصر وتسجن الحياة فى مجرد شعارات ورؤى ضيقة.
■ مجموعاتك القصصية تبدو أقرب ما تكون لبناء المتتالية قصصية، حيث المزج بين السرد القصصى والروائى ووحدة الزمن والمكان والشخوص، كيف كانت هذه التجربة؟
ــ منذ أول مجموعة قصصية كتبتها «نسيج الأسماء»، وأنا مشغول بفكرة الكتاب القصصي، مع ملاحظة أن كل كتبى القصصية لا تحمل عنوان قصة داخل المجموعة، ولكن عنوان شامل، وفكرة الكتاب القصصى بالنسبة لى تعنى كتابا له بناء وترتيبا خاص للقصص، كأن كل قصة تمثل فصلا فى الكتاب. وأود أن أؤكد أن فكرة الكتاب القصصى لا تعنى نفى استقلال كل قصة بذاتها، ولكن بجانب هذه الاستقلالية، فهناك علاقات ظاهرة أو خفية بين أبطال قصص هذا الكتاب.
■ كيف ترى المسافة بين الكتابة القصصية والروائية؟
ـــ فى الرواية هناك خيوط بعينها يتم تطويرها، ويتم العمل عليها بتشابكاتها، لذلك تكون أجزاء وفصول الرواية فى اتصال، وتقرأ الرواية بأكملها حتى تستطيع أن تكشف عالمه، عكس الكتاب القصصى هناك فرصة أن تقرأ قصة منفردة مكتملة، وبالتأكيد هناك علاقة بين قصص الكتاب، لكن هذه العلاقة غير ملزمة للقارئ.
■ «فى مستوى النظر» يوجد بطلان أساسيان هما: الطفولة وشقة الدور الأرضي، برأيك إلى مدى تساهم طفولتنا فى صياغة رؤيتنا للعالم؟
ــ العلاقة بين الطفولة والدور الأرضي، تكشف خيال الأطفال وحريتهم فى علاقاتهم ببيوتهم، وكل الأماكن التى فى مستوى نظرهم، فالأطفال لا يعترفون بالحدود المكانية ولا الزمانية التى يتوهمها الكبار، لكن مع مرور الزمن هناك شخصيات خيالها يُحبس داخل جدران المكان ولا تستطيع الخروج عنه، وهناك شخصيات أخرى تستطيع تضفير هذا الخيال الطفولى مع حياتها الناضجة، مثل شخصية قصة «الوقوف فى البلكونة» فعلى الرغم من كون بطلها خرج إلى المعاش، إلا أنه صمم أن يفتح بلكونة فى شقته، لأن ذلك كان من ضمن أحلامه التى تأجلت طوال الوقت.
■ تنطلق معظم القصص من تفاصيل إنسانية صغيرة، لكن عندما نتأملها نكتشف معانى كثيرة بداخلها، إلى أى مدى مازلت قادرًا على التقاط هذه التفاصيل فى ظل نمط الحياة المتسارع فى حياتنا اليومية؟
ــ أنا مشغول جدًا فى كتابتى بما يبدو أنه معتاد ومألوف ومتاح، بينما عند تأمله تكتشف الجوانب العجيبة والفريدة فيه، دائما أرى أن أى تجربة أو علاقة تبدو عادية غالبًا ما تتضمن ما هو عجيب وفريد، كيف أستطيع أن أكتب هذا دون أى اسقاط أو إرغام للتجربة العادية بأن تكون شيئًا عجيبًا أو فريدًا وهذا يمثل تحديا كبيرا.
■ اللغة واحدة من أهم العناصر التى تميز كل كاتب عن غيره، كيف تتعامل مع سؤال اللغة؟
ــ رحلتى مع اللغة مرت بمراحل مختلفة، فى البداية كان هناك انشغال باللغة المجازية كما ظهر فى أول مجموعتين قصصيتين، ومع رواية «تصريح بالغياب « وجدت التجربة والأحداث مرتبطة بجيش ووحدة عسكرية، مما تتطلب مستوى آخر للغة، وأصبح التعامل مع ما هو شعرى مرتبط أكثر بالعلاقات الإنسانية، فالبعد الشعرى ليس شرطا أن يأتى من مجازات أو مفردات تبدو أنها شعرية، وإنما يمكن أن يأتى من العلاقات بين الشخصيات المختلفة التى تكشف أبعادا كثيرة داخلهم ومستويات مختلفة من الدلالات.