الأربعاء 9 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمود السعدنى.. عُمدة الضحك

محمود السعدنى.. عُمدة الضحك
محمود السعدنى.. عُمدة الضحك




كتبت- مروة مظلوم

خفة الدم لا أحد يختارها لكن ممكن تعمدها ومن تعمدها «نهار أبوه أسود ويروح فى ستين داهية» لأنها موهبة من عند الله.. اختص بها بعض من عباده وخص مصر بأخفهم ظلاً وأسلطهم لسانا الولد الشقى الساخر محمود السعدنى.. الذى تحل ذكرى ميلاده فى العشرين من نوفمبر الجارى.. وإليكم مقتطفات من حياة عمدة الضحك «محمود السعدنى».

ولد السعدنى بمحافظة الجيزة وعمل فى بداياته صحفياً بعدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التى كانت تصدر فى شارع محمد على بالقاهرة ،والتحق للعمل فى مجلة «الكشكول» التى كان يصدرها مأمون الشناوى حتى إغلاقها. ثم عمل بالقطعه ببعض الجرائد فى جريدة «المصري» لسان حال حزب الوفد وعمل أيضاً فى «دار الهلال» كما أصدر مع رسام الكاريكاتير «طوغان» مجلة هزلية أغلقت بعد أعداد قليلة.
عقب قيام الثورة التحق السعدنى للعمل  بجريدة الجمهورية التى أصدرها مجلس قيادة الثورة وكان رئيس مجلس إدارتها أنور السادات ورئيس تحريرها كامل الشناوي.وبعد تولى السادات منصب رئاسة البرلمان المصري، تم الاستغناء عن خدمات محمود السعدنى من جريدة الثورة أسوة بالعديد من زملائه منهم بيرم التونسى وعبد الرحمن الخميسى.


 روزاليوسف

بداية السعدنى مع مجلة روزاليوسف عندما التحق بها للعمل كمدير تحرير عندما كان إحسان عبد القدوس رئيس التحرير وكانت روز اليوسف حينها مجلة خاصة تملكها السيدة فاطمة اليوسف ولم تأمم بعد . وفى أثناء زيارة صحفية إلى سوريا قبيل الوحدة بين البلدين، طلب أعضاء الحزب الشيوعى السورى من السعدنى توصيل رسالة مغلقة للرئيس جمال عبد الناصر فقام بتسليمها لأنور السادات دون أن يعلم محتواها. وكان فى الرسالة تهديدا لعبد الناصر، لذا تم إلقاء القبض عليه وسجن ما يقارب العامين أفرج عنه بعدها فعاد ليعمل فى روز اليوسف بعد أن أممت وتولى رئاسة تحرير مجلة صباح الخير.


نكات السعدنى

عقب وفاة عبد الناصر حدث صراع على السلطة بين الرئيس أنور السادات وعدد من المسئولين المحسوبين على التيار الناصرى مثل شعراوى جمعة وسامى شرف ومحمود فوزى وغيرهم. انتهى الصراع باستقالة هؤلاء المسئولين واعتقال السادات لهم وتقديمهم للمحاكمة بتهمة محاولة الانقلاب وكان اسم محمود السعدنى من ضمن أسماء المشاركين فى هذا الانقلاب وتمت محاكمته أمام «محكمة الثورة» وأدين وسجن.
هذه التهمة كانت بسبب أن السعدنى دائماً يُطلق النكات على السادات، كما يقول محمود السعدنى فإن القذافى حاول التوسط له عند السادات إلا أن السادات رفض وساطته وقال «أن السعدنى قد أطلق النكات علىّ وعلى أهل بيتى (زوجته جيهان السادات) ويجب أن يتم تأديبه ولكنى لن أفرط فى عقابه».


الولد الشقى سليط العقل والذكاء

قال كامل الشناوى عن أسلوب محمود السعدنى اللاذع «السعدنى ليس سليط اللسان فقط .. وإنما والعقل والذكاء أيضاً».. فقد أثرى السعدنى المكتبة العربية بالعديد من الكتب الساخرة منها  مذكرات السعدنى «الولد الشقى» وهى من أروع ما كتب فى أدب السيرة الذاتية فى الأدب العربي، وقد كتبها فى سلسلة من الكتب (من نهاية الستينات وحتى منتصف التسعينيات) وحملت عناوين «الولد الشقى «ج1» قصة طفولته وصباه فى الجيزة» «الولد الشقى ج2 قصة بداياته مع الصحافة»، «الولد الشقى فى السجن»  صور متنوعة عن شخصيات عرفها فى السجن، «الولد الشقى فى المنفى» قصة منفاه بالكامل.
السعدنى حكاء عظيم ويمتاز بخفة ظلة كما أن تجربته فى الحياة ثرية للغاية وله العديد من الكتب التى تناولت مواضيع متنوعة منها: «مسافر على الرصيف»، «ملاعيب الولد الشقي»، «السعلوكى فى بلاد الإفريكي». «الموكوس فى بلد الفلوس»، «وداعاً للطواجن»، «رحلات أبن عطوطه»، و«قهوة كتكوت» والعديد من المؤلفات.


منفى السعدنى «إختياري»

بعد قرابة العامين فى السجن أفرج عن السعدنى ولكن صدر قرار جمهورى بفصله من صباح الخير ومنعه من الكتابة بل ومنع ظهور اسمه فى أى جريدة مصرية حتى فى صفحة الوفيات. بعد فترة قصير من المعاناة قرر السعدنى مغادرة مصر والعمل فى الخارج.
غادر السعدنى مصر متوجهاً إلى بيروت حيث استطاع الكتابة بصعوبة فى جريدة السفير وبأجر يقل عن راتب صحفى مبتدء، والسبب فى صعوبة حصوله على فرصة عمل هو خوف أصحاب الدور الصحفية البيروتية من غضب السادات. وقبل اندلاع الحرب الأهلية غادر السعدنى إلى ليبيا للقاء القذافى والذى عرض عليه إنشاء جريدة أو مجلة له فى بيروت إلا أن السعدنى رفض ذلك خوفاً من اغتياله على يد تجار الصحف اللبنانيين والذين سيرفضون بالتأكيد هذا الوافد الجديد والذى سيعد تهديداً لتجارتهم الرائجة.
أثناء الحوار وبدون قصد سخر السعدنى من جريدة القذافى الأثيرة «الفجر الجديد» ونعتها بالـ»الفقر الجديد» عندما عرض عليه القذافى الكتابة بها وانتهى لقائه معه بدون نتيجة ولم يبد القذافى حماس كبير لإصدار مجلة 23 يوليو التى إقترح السعدنى إصدارها فى لندن بل سخر من فكرة إصدارها هناك كما لم يرق له إصدار مجلة ساخرة.


«الخليج العربى» رغم أنف إيران

قبل السعدنى  بالعرض الذى تقدم به عبيد المزروعى وهو إدارة تحرير جريدة الفجر الإماراتيه.كان العرض مقامرة سياسية جازف بها عبيد المزروعى خاصة ان السعدنى وضع شروطا مهنية قاسية أهمها عدم التدخل فى عمله وهو الشرط الذى يبدو أنه تسبب بعد أقل من أربعة أشهر بمصادرة أحد أعداد جريدة الفجر من الأسواق بسبب مانشيت أغضب السفارة الإيرانية فى أبوظبى وكان إيران يومها تطالب بالإمارات كلها وتعتبرها من «ملحقيات إيران». لذا لم تغفر سفارة إيران للسعدنى رفعه شعار (جريدة الفجر جريدة العرب فى الخليج العربى) وطالبت السفارة الإيرانية صراحة حذف صفة «العربي» عن الخليج لانه (خليج فارسى) كما يقولون.

«مدرسة روزاليوسف»فى الإمارات


تعاقد محمود السعدنى مع منير عامر من مجلة «صباح الخير»، ليتولى وظيفة سكرتير التحرير وليدخل إلى صحافة الإمارات مدرسة صحافية مصرية جديدة هى «مدرسة روزاليوسف» بكل ما تتميز به من نقد مباشر وتركيز على الهوية القومية.


مجلة 23 يوليو

بتمويل غير معلن من حاكم الشارقة الحالى تمكن السعدنى من إصدار مجلة 23 يوليو فى لندن (وكانت أول مجلة عربية تصدر هناك) والتى حققت نجاحاً كبيراً فى العالم العربى وكانت تهرب إلى مصر سراً. إلتزمت المجلة بالخط الناصرى وكان السعدنى يتوقع أن تلقى المجلة دعماً من الأنظمة العربية الرسمية إلا أن ذلك لم يحدث وحوصرت المجلة مالياً من أنظمة دول ترفع شعارات عروبية فى الظاهر إنهارت 23 يوليو وتوقفت عن الصدور، وعاد السعدنى وحيداً يجتر أحزانه فى لندن إلى أن اغتيل أنور السادات فى حادث المنصة الشهير فى 6 أكتوبر 1981م فعاد السعدنى إلى أرض الوطن ليطوى بذلك صفحة طويلة من الصراع مع النظام فى مصر. ورحل السعدنى  عن عالمنا فى يوم الثلاثاء 4 مايو 2010 عن عمر يناهز 82 عاماً إثر أزمة قلبية حادة.