ابراهيم رمضان
سارق النوم
هاتفك الذكى وحساباتك على مواقع التواصل الاجتماعى، تظنهما صديقَيك وهما فى الواقع لصان يؤرِّقان نومك، ويتلاعبان بهرمون سعادتك، ويتسببان فى اختلال ساعتك البيولوجية، فتقع فريسةً محتملةً لعشرات من الأمراض، مثل «السِّمنة، والسكتات القلبية، وضَعف الجهاز المناعى». غنت الفنانة الراحلة «شادية» للحب باعتباره مَن كان يسرق النوم من عينيها فى أغنيتها «يا سارق من عينى النوم.. إن نمت دقيقة تصحينى.. اقرأ كتاب واللا اتنين واتقلب على الجنبين»، ولكنها لم تكن تعلم أن حقبة أخرى من هذا الزمان سيظهر فيها لصوص محترفون للنوم. تتسلل هواتفنا الذكية «ومعها حساباتنا» لغرف نومنا يوميا بعلمنا وإرادتنا، يلازمانا فور تفكيرنا فى الذهاب للنوم، ويرسلان لنا مناديا يوسوس فى آذاننا «فلنلقِ نظرة أخيرة على حساباتنا فى مواقع التواصل «الانعزال» الاجتماعى». لا يستغرق الأمر سوى ثوانٍ معدودة من التفكير لتجد هواتفنا الذكية طريقها لأيدينا، ومنها لحساباتنا، ومعها نشقّ طريقنا لمرض «الأرق». فور فتح الهاتف، تضيء الشاشة، فيصدر منه ضوء أزرق يعمل على تنبيه حواسنا المختلفة، يُحاكى هذا الضوء ضوء النهار، وتتفاعل مجموعة من العوامل المختلفة، لتصبح أعضاء الجسم جاهزة لأداء مهامها. يدفع الضوء الصادر من الهاتف الغدة «الصنوبرية» لتقليل إفراز هرمون «الميلاتونين»، الذى يُساعد إفرازه ليلا المخ فى التمييز بين أوقات الصباح، وأوقات المساء، وتنظيم دورات النوم، وربطها مع نظام التوقيت الذى نعيشه. يُسهم تدفّق هرمون الميلاتونين أو «السعادة» - كما يُطلق عليه الباحثون- بغزارة فى النوم العميق، خاصة أن إفرازه يرتبط بالوقت. أثناء النوم العميق، تعمل أجسادنا كجهاز كمبيوتر، إذ يحسن استدعاء المعلومات من الذاكرة، كما تنتج أجسادنا هرمونات النمو لتجديد وتنشيط الجهاز المناعي، بحيث يمكن للخلايا الدفاعية محاربة الفيروسات والبكتيريا. وحين يصل نومنا إلى مرحلة معينة، يقوم دماغنا باستعادة ومراجعة ما مررنا به خلال يومنا، كما يوفر مساحة تخزين قصيرة لأجل اليوم التالى. قديما، سُئل أحد الملوك: كم تدفع كى تنام ساعة هادئة؟ فأجاب: نصف مُلكى! فسُئل مرة أخرى: وكم تدفع لتنام ليلة هادئة؟ فقال: النصف الآخر! فما بالكم بنا ونحن نضيّع ساعات نومنا الهادئه جريا خلف سراب «السوشيال ميديا»! المراكز البحثية بمختلف الجامعات، عكفت مؤخرا على دراسة تأثير وسائل التواصل الاجتماعى على النوم؛ نظرا للآثار السلبية المعروفة للحرمان من النوم على الصحة. الأبحاث والدراسات المختلفة، سبق أن أكدت أن عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم ليلا (أى: من 7 إلى 8 ساعات يوميا) يؤثر على الصحة العامة، ويرفع خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، والنوبات القلبية، وضعف الجهاز المناعى. الباحثون فى جامعة جلاسكو بأسكتلندا، اكتشفوا أن ٢١٪ من المراهقين فى سن (١٣- ١٥)، يعانون من صعوبة فى التعلم؛ نتيجة فقدان التركيز والأرق، الذى يُعد سببا لعدة أمراض؛ منها زيادة الوزن، بسبب استخدامهم المتواصل لمواقع التواصل الاجتماعى. المجلة الصحية الصادرة عن جامعة «هارفارد»، نشرت تقريرا أقرّت من خلاله أن التعرض لضوء شاشة الهاتف أثناء الليل يُربك الساعة البيولوجية للإنسان. جامعة «كارديف» فى المملكة المتحدة، كشف الباحثون فيها أن أكثر من ثلث الشباب يبقون مستيقظين خلال الليل؛ بسبب المضايقات التى يتعرضون لها على منصات التواصل الاجتماعى، أو لأنهم يريدون مواصلة إرسال وتلقى الرسائل. النوم بشكل هادئ ومستقر يوميا، وتجنب السقوط فى بئر سلسلة الأمراض المحتملة العميق؛ لا يحتاج سوى أن نهجر مواقع «الانعزال الاجتماعى» وهواتفنا الذكية قبل النوم بساعة واحدة.