الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى مبادرة مسرح السجناء

«أيام قرطاج» يرفع شعار المسرح «تهذيب وإصلاح»

اعتدنا سماع مصطلح «السجن تهذيب وإصلاح» كنوع من تخفيف وطأة العقوبة على السجين الذى طالما كان دخوله هذا المكان بمثابة إيقاع أقصى العقوبة على جريمة اقترفها فى حق نفسه وحق المجتمع، وبالتالى تتوقف حياته ويظلم مستقبله وتطوى صفحات طموحه ويقتل أمله فى حياة مستقبلية قادمة أو فى طموح حلم بتحقيقه يومًا ما..



تتنوع العقوبات ما بين سنوات قصيرة وأخرى طويلة لكنها فى النهاية توصف بسنوات عجاف لما تحمله من يأس وإحباط طويل، من هذا المنطلق جاءت تجربة مسرح السجون التى أطلقتها إدارة مهرجان أيام قرطاج المسرحية برئاسة الدكتور حاتم دربال منذ عام 2017 لتحيى الأمل فى قلوب هؤلاء السجناء وتمنحهم الحق فى الحلم والحياة.

 

اتساع التجربة

بدأت هذه المبادرة بمشاركة ثلاث سجون ثم بدأ يتوسع الأمر فى العام الثانى وفى العام الثالث أصبح مشروعًا كبيرًا تعمل على دعمه وتغذيته إدارة المهرجان ووزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة العدل ليشارك هذا العام 11 عملًا من داخل مجموعة متنوعة ومختلفة من السجون تتنافس فيما بينها على جوائز المهرجان على خشبة مسرح «ابن خلدون» المجاور لفندق «إفريقيا» بشارع الحبيب بورقيبة وهو ما يعنى عدم تكبد ضيوف المهرجان المشقة فى ملاحقة ومتابعة هذه العروض بل على العكس كانت إدارة المهرجان حريصة كل الحرص على عرض هذه التجربة للضيوف والجمهور العادى بتونس، من بين العروض المشاركة «الحديقة السرية» إخراج على الماجري، «الدنيا والزمان» تأليف وإخراج سالم الورغى، «الريح البر» السجن المدنى للنساء إخراج على بوكادي، «سنترا» مروة بنت الشيخ سوقير والقنطاوى بن أحمد، «المحطة الأخيرة» إخراج لسعد حمده، «مسرحية بلا قيود» إخراج عفاف الأندارى، «بيت برناردا ألبا» السجن المدنى للنساء بمنوبة إخراج أمل البجاوى، «جوجمة..حس» إخراج نضال الدين مغازى ومحمد أمين زواوي، «ديناميت» إخراج رياض الزواوي، «كرينتي» إخراج الصادق عمار، «كفارة» إخراج سامى الجوينى، وحصل على جائزة الحرية لأفضل ثلاثة أعمال بنوادى المسرح بالوحدات السجنية عروض «الحديقة السرية» للسجن المدنى بالمرناقية إخراج على الماجري، «الريح البرة» للسجن المدنى بصفاقس إخراج على البودى، «الدنيا والزمان» لمركز رعاية الأطفال الجانحين بالمروج إخراج سالم  الورغى.

 

نوادى المسرح بالسجون

لم تتوقف أو تقتصر هذه التجربة عند هذا الحد بل سعت الحكومة التونسية إلى الإخلاص والتفانى فى تطبيقها إيمانا منهم بأن الإهتمام بالتكوين النفسى والإنسانى للمجتمع أمر جلل وهو الذى يساهم فى بناء مجتمع صحى على مدار مستقبل كامل، لذلك تم تكوين وتشكيل نوادى المسرح داخل هذه السجون، وتقدم هذه الجوائز المالية الرمزية إلى دعم النادى الذى يتدرب فيه السجناء على العمل لإنتاج عروض جديدة كى تظل هذه النوادى فى حالة عمل وإنتاج مستمر كما تم الإعلان عن منح قيمة هذه الجوائز وتحويلها إلى أهالى السجناء، كذلك طالب المشرف على المشروع بالإدارة العامة للسجون بضرورة التفكير فى منح جائزة أخرى الدورة المقبلة وتتمثل فى العفو على المتفوقين والفائزين بهذه الأعمال المسرحية، والاهتمام بعنصر الموسيقى والسينوغرافيا باعتبارهما عنصرًا أساسيًا فى العمل المسرحى.

 

إحياء قيم القبول والتسامح

تأتى هذه التجربة لتؤكد إمكانية إعادة صياغة العلاقة بين المجرم والمجتمع سواء بتغيير نظرة المجتمع لهذا الشخص وإحياء قيم قبول الآخر والحب والتسامح وفتح باب التوبة والتطهر بإعادة إدماجه فى المجتمع من جديد بجانب فتح أفق تفكيره فى شكل آخر وحياة أخرى ربما لم يسبق له الاحتكاك بها من قبل وأكد كثيرون أن معظمهم بعد العفو يبحثون عن الاستمرار فى العمل والالتحاق بالمسرح بشكل دائم؛ ففى هذا المشروع بناء لوعى شعب ومجتمع على مدار مستقبل كامل اتخذت فيه تونس على عاتقها الحفاظ على الكيان النفسى لمجتمعها لأعوام قادمة مجتمع قادر على الاستيعاب والاستجابة للمتغيرات المحيطة به محليًا ودوليًا.

 

«بيت برناردا ألبا»

من بين التجارب المهمة التى شاركت فى مسرح السجون عروض «جوجمة» إخراج نضال الدين مغازى ومحمد أمين زواوى للسجن المدنى ببرج الرومى تعيش الشخصية الرئيسية فى العمل حالة من الهوس والخيالات ويتخيل أنه طبيب ذهب لعلاج مجموعة من المختلين عقليا ويدخل فى تحد كبير مع طبيبهم الرئيسى الذى يؤكد له عدم نجاح تجربته بمعايشة هؤلاء المجانين ويدخل بالفعل بينهم لكنه يصبح فى حالة أسوأ منهم، «كفارة» السجن المدنى بصواف إخراج سامى الجوينى يجمع العرض بين الإيقاع والتعبير الجسدى والحكواتى يجسد معاناة سجين يستعرض علاقته بالسجان والسجناء ثم شوقه لأصدقائه وأسرته وندمه على ما اقترفه من جرائم، «بيت برناردا ألبا» إخراج أمل البجاوى يتناول قصة بنات برناردا ألبا وما أعدته لهم من سجن اختيارى على وفاة الأب الذى قررت بأن يكون حدادهم عليه 8 سنوات وما تسببت فيه هذه العزلة والسجن فى تدمير حياة الأسرة بالكامل تميزت هذه العروض باعتمادها على تدريب أبطالها وكأنهم ممثلون محترفون فأثناء المشاهدة لن تشك بأن هؤلاء مجرد مجموعة من الهواة قرروا احتراف التمثيل فخرجت العروض منضبطة مكتملة العناصر، برغم حداثة التحاق صناعها بالعمل المسرحى، كما أن لبيت برناردا ألبا حالة أخرى خاصة لتفاوت أعمار أبطالها ما بين 22 إلى 34 عامًا وقامت بدور الأم أصغرهم سنًا والتى اتقنته وكأنها بالفعل سيدة عجوز حادة الطباع بينما أكدت مخرجة العمل أمل البيجاوى عن قصر فترة البروفات التى بدأت منذ شهر سبتمبر ففى خلال أربعة أشهر كانوا مطالبين بضرورة خروج العمل للنور ضمن فعاليات أيام قرطاج كما أشادت بدور السجن والشرطيات فى المساعدة والمعاونة على خروج هذا العمل للنور حيث كانت الشرطيات ينزعن عنهن ملابسهن الرسمية حفاظًا على السلامة النفسية للسجينات أثناء حضور البروفات كما ساهمن وبشدة فى التعاون على تحفيظ السجينات نص العمل المسرحى كانوا معنا خطوة بخطوة حتى خرج العمل للنور، ومن بين مميزات هذا المشروع إصرار بعض السجينات بعد العفو عنهن على  الاستمرار فى ممارسة فن المسرح.

 

مسارات وعروض متنوعة

لم تقتصر التجارب المميزة بأيام قرطاج على تقديم مشروع مسرح السجون بل امتدت العروض لتشمل أشكال أخرى جديدة ومتنوعة من المسرح فى كل محافظات تونس منها عروض لمسرح الطفل وعروض بشارع الحبيب بورقيبة، عروض المسرح المدرسى، عروض مسرح الجنوب بقفصة، عروض مسرح الهواية حيث يهتم المهرجان فيها ببرمجة عروض خاصة بالهواة، وقسم آخر لعروض مسرحية بالمهجر، بجانب عروض مسرحية دولية شاركت ضمن فعاليات المهرجان تم توزيعها وإعادتها بالمحافظات مثل الكاف، قفصة، تطاوين، صفاقس، المهدية، زغوان، مدنيين، المنستير، القيروان من هذه العروض «بلا رجل أو رأس» المكسيك، «لتحيا الحياة» سويسرا، «الخياطة» سويسرا، «هل نحن منذرون لقدر آخر بلجيكا، «حكاية بلا نهاية» الكوت دى فوار، «من أجل الجنة إيكاروس» مصر، «مسدس» إيرلندا، كل هذا التنوع والانفتاح فى تقديم عروض مسرحية مختلفة بالتوازى مع عروض المسابقة الرسمية والعروض الموزاية للمهرجان ففى أيام قرطاج عدة مهرجانات فى مهرجان واحد!!