الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الرسائل فوق السياسية والعسكرية للمناورة «قادر ٢٠٢٠»

الرسائل فوق السياسية والعسكرية للمناورة «قادر ٢٠٢٠»

على امتداد جبهات الوطن المتعددة تجد تشكيلات ووحدات الجيش المصرى ممتدة، امتدادًا وتموضعًا ليس ماديًا فقط بل تمددًا حيويًا يسرى فى عروق الوطن سريان الدماء النابضة فى الجسد الحى. فالقوات المسلحة المصرية مكون وجودى فى بنيان الدولة المصرية، يحفظ وجودها ويرعى شرعية من يحكمها طالما التزم بثوابت أمنها القومى، ولا يحيد عن إرادة شعبه.  من رحم عسكريتها الصارمة تجدها أمينة على السلام الاجتماعى وعلى سلاسة تدفقات الحياة المدنية. إلى جانب مهام الحماية لمقدرات هذا الوطن وثرواته -المقررة دستورًا- فإن هذا الجيش هو الحافظ الرئيسى لهوية الدولة المصرية فى مواجهة تيارات الظلام والتطرف وهى مهمة أخرى تضاف إلى سحب مهامه المقدسة. ■ ■ ■  مع كل أزمة وفى كل حادث جلل. حين تبلغ قلوب المصريين حناجرهم تجدهم فجأة يتحولون من خوفهم إلى أمنهم عندما يولّون وجوههم إلى قبلة هذا الجيش العظيم المتدفق حولهم يمينًا ويسارًا وأعلى رؤوسهم. فى ليلة ظلماء تجلى فيها الغدر والعدوان بات فيها المصريون مهمومين حين استشهد أبناء هذا الوطن على أيدى الميليشيات التى ابتلت بهم ليبيا، استيقظ المصريون فرحين مطمئنين على أصوات أزيز الطائرات المقاتلة عائدة من ليبيا بعد أن ثأرت لمن قتل غدرًا من المصريين الذين سالت دماؤهم على الشاطئ الليبى واختلطت دماؤهم بمياه البحر فزادته طهرًا على طهره، وزادته غضبًا ثارت من فرطه أمواجه. استقرار الطائرات فى قواعدها صاحبه استقرار للسكينة فى قلوب المصريين. ■ ■ ■ على مدار السنين ظل هذا الجيش جزءًا أصيلًا من مشروع الدولة المصرية الوطنية، بل القاعدة الحاملة لهذا المشروع وأداة تثبيته وبرغم ذلك ظل محافظًا على تموضعه الدستورى فى البنيان المدنى لهذه الدولة، بل إنه قدم نموذجًا لكيفية تطبيق الحالة المدنية كأسلوب إدارة منضبط، بمعنى أن عقيدته هى حماية الدولة المصرية المدنية الدستورية بينما صفته هى العسكرية الصارمة المنضبطة والمنضوية تحت نصوص الدستور الذى اقترع عليه الشعب، فأصبح هذا الجيش ملكًا للشعب الذى هو مصدر شرعيته الرئيسية. ■ ■ ■  بعيدًا عن التوصيف القانونى لوضعية هذا الجيش، فإن علاقته بالدولة تبقى علاقة وجودية، أى أنه يظل روحًا لهذا الوطن، أى أن ضعفه يؤدى لمرض الدولة وقوته تمنحها مناعة إقليمية ودولية وانهياره لا قدر الله يؤدى إلى زوالها. وبرغم حالة العنفوان التى يحرص عليها هذا الجيش إلا أن واقع التاريخ لم يسجل عليه حالة واحدة للمبادرة بالاعتداء كما لم يسجل عليه حالة استكانة واحدة فى مواجهة أى خطر يهدد الدولة حدودًا أو وجودًا أو حفاظًا على موارد، وكلما زادت ثقة الشعب المصرى فيه زادت أعباء المسئولية عن الحماية والرعاية. ■ ■ ■ ارتكازا على عقيدة الدولة الوطنية، فإن هذا الجيش أصبح له منهج واضح فى أداء مهمته التى ترتكز على محاورها الرئيسية التالية: - التأمين. - الردع. - حماية انتظام حركة المؤسسات المدنية. - شغل القصور الذى قد يلحق بأداء الجهاز الإدارى المدنى للدولة وقت الأزمات. - ضمان تحول الوثيقة الدستورية من نصوص مكتوبة إلى واقع عملى قانونى. أى أن هذا الجيش العسكرى المسلح هو الضامن لمدنية الدولة، وعلى ذلك فإن النص الدستورى المعدل لم يكن استحداثًا لوضع بل إقرارًا لوضع قائم أساسًا فى أعماق عقيدة هذا الجيش. ■ ■ ■  رغمًا عن حركة التسليح المتطورة التى شهدتها تشكيلات وأفرع الجيش فى السنوات الماضية إلا أنه لا يخرج أبدًا عن حالة الانضباط القائمة على كونه قوة رشيدة من أجل الحماية وليس الاعتداء. ومن هذا المنطلق وبالتزامن مع حركة التنمية المدنية القائمة على مد شبكة للحماية الاجتماعية فإن هذا الجيش قرر مد شبكة للحماية العسكرية قائمة على استحداث القواعد العسكرية فى أركان الدولة المصرية ونقاط حدودها وسواحلها البحرية. ■ ■ ■   إذا رجعنا للوراء قليلًا سنكتشف أن تطور هذا الجيش يتم تحت عنوان عريض «القوات المسلحة المصرية فى خدمة الدولة الوطنية»، وبالتالى ستظهر جلية فلسفة تنويع مصادر السلاح إلى جانب فلسفة نشر القواعد العسكرية على أطراف الدولة، وفى اتجاهات أعماق أمنها القومى الاستراتيجى. هنا نجد تفسيرًا للحملة التى طالت الجيش المصرى والرئيس السيسى بادعاء أن ما يتم إنفاقه على التسليح كانت أولى به مواقع أخرى للتنمية، برغم أن ميزانية هذا التسليح منفصلة تماما عن موازنة الدولة، وبرغم أن كل ما يتم إنجازه من التنمية المدنية ستبقى مهددة دون جيش قوى يحميها. استنادا لمنطلقات الأمن القومى المصرى جاءت كلمات العميد ياسر عطية خلال مراسم تدشين قاعدة برنيس المطلة على البحر الأحمر ضمن عمليات المناورة الأكبر «قادر ٢٠٢٠»، عندما استخدم بوضوح عبارة «إذا أردت أن تتجنب الحرب فكن مستعدًا لها». لكن المتابع لتنوع المدعوين سيكتشف أنهم جميعًا يشتركون فى كونهم ممثلى ومندوبى ارتكازات الأمن القومى العربى الذى يرتكز على محوره الأساسى وهو الجيش المصرى. تذكر عندما قال الرئيس عن جاهزية الجيش مستخدمًا عبارة «مسافة السكة»، ومنذ هذه اللحظة سارعت قوى الشر فى تحويل هذه السكة إلى سكك مختلفة الاتجاهات أملًا فى تشتيت الجيش المصرى، لكن حكمة العسكرية المصرية واجهت التشتيت بقواعد التركيز والتمركز. ■ ■ ■  بجوار الرئيس عبدالفتاح السيسى جلس رئيس وزراء بلغاريا يتابع تفاصيل المناورة قادر ٢٠٢٠ بينما مخيلته تتجه نحو حدود بلاده المتاخمة لحدود الدولة التركية التى يحكمها نظام إخوانى متطرف لا يتورع عن السلوك الاستعمارى التوسعى العشوائى فى اتجاهات مختلفة، حتما سيكون رئيس الوزراء البلغارى سفيرا لمصر لدى الاتحاد الأوروبى شارحا فلسفة قوة الردع المصرى العادل القائم على عدالة القضية المصرية المستمدة من شرف الهدف وهو حماية شعب وثرواته ومقدراته. الحضور البلغارى جاء على خلفية عملية ابتزاز تركى امتدت عبر سنوات لكامل أوروبا بالتهديد بالدفع بضحايا الهجرة غير الشرعية نحو الأراضى الأوروبية ليكون أردوغان بذلك أول سمسار دولى للاتجار فى البشر وفى آلام البشر. ■ ■ ■   على قواعد المجد يبنى الجيش المصرى تمركزاته ويبسط أذرعه الأمنية على عموم جغرافيا الوطن فتصبح آمنة مطمئنة. وعلى أرض الميدان حيث جرت تفاصيل العمليات فى قاعدة برنيس بعنوان المناورة قادر ٢٠٢٠ تجلت عزائم القدرة المصرية على حماية وطن بقيمة الدولة المصرية. على أرض برنيس تعددت الرسائل المركزة التى قالت إن مصر المحبة للخير والسلام ستدافع عن حقوقها وعن حياة ومكتسبات شعبها بكل ما أتاها الله من قوة. إن مصر التى لا تعتدى ولا تغتصب الحقوق ولا تقف فى سبيل التنمية لن يكتب مستقبلها إلا أبناؤها منهم من يحمل فأسه وآخر يحمل قلمه بينما المرابطون يحملون بنادقهم على ثغور الوطن.