الإثنين 7 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أجمل قصيدة شعر فى ديوان الكون

أجمل قصيدة شعر فى ديوان الكون

حقًا.. لا غرابة فى أن يقال: إن «الوطن» أجمل قصيدة شعر فى ديوان الكون! فهو الملجأ والملاذ؛ والحضن الدافئ الذى يحتوينا بكل الحنان والرعاية؛ وهو الظلال الوارفة للشجرة الطيبة التى لا تترعرع وتنمو؛ إلا فى تربة الأجساد النقية صاحبة الانتماء والولاء الحقيقي؛ تلك الأجساد التى تضحى بالعرق والدموع والدم لتنضح ثمار الحرية لكل البشر فوق ربوعه، وما أجمل أن نرتوى من الحليب الذى ينشع من ثدى هذه الأرض الطيبة؛ ليوهب الحياة الكريمة لكل من يدب على ترابه المقدس، وهو الباقى فى قلوبنا وإن غادرنا إلى أقاصى الأرض سعيًا إلى الرزق أو العلم، وهو الذى قيل عنه: إنه من يسكن فينا ولا نسكن فيه. إنه الوطن «قصيدة الشعر».. التى لا يغيب عطرها عن الذاكرة! فهو الذى يمنح الإلهام للأدباء والشعراء رواياتهم وقصائدهم التى تتغنى بشرف الانتماء والولاء لجذوره الممتدة فى أعماق التاريخ، وحب الوطن «الأم».. هو الذى يمنح العلماء والمهندسين والأطباء والمعلمين؛ كل أسرار العقل البشرى لتجميله وتعضيده بأروع المشروعات العملاقة على امتداد جغرافيته المتفردة وسط خارطة العالم، فيقوم لخير بنيه بتشييد المدن الكبرى، ويشق الترع والقنوات والطرق والكباري، وينشئ مصانع الحديد والصلب والدرفلة، والمصانع الحربية لحماية الحدود من الحاقدين المتربصين بنجاحاتهم المستمرة على طول أحقاب الزمن. فالإنسان بلا وطن.. طيف بلا هويَّة وبلا جذور! وعظيم الشرف أن يُكتب فى شهادة ميلاده، إن مسقط رأسه على أرض مصر ، ويزهو باسم شوارعها وحواريها وأزقتها وعطوفها، وإنه جاء ليكون «ملح الأرض» لتربتها الطاهرة المقدسة المعجونة بتراب أجساد أجداده العظماء، وليردد ـ بكل الفخرـ مع الشاعر أبى العلاء المعرى: سر إن اسطَعْت فى الهواءِ رويدًا ** لا اختيالاً على رُفات العبادِ خفِّـفْ الوَطْء ما أظن أديــــــم الـ ** أرض إلاَّ من هَــذه الأجسادِ وقبيحٌ بنا وإن قـــــدُم العهــــــــــ ** د هَـــوَان الآبَــاء والأجْــدَادِ!! وما أجمل وأصدق من قول أمير الشعراء أحمد شوقى : اختلافُ الليلِ والنهارِ يُنسِى **     اذكُرَا لى الصِّبا وأيـامَ أُنْسِي وطنى لو شغلت بالخلد عنه **   نازعتنى إليه فى الخلد نفسي! ويقول «الجاحظ» فى رسائله: «ومِن أصدق الشواهد فى حب الوطن أن يوسف عليه السلام لَمَّا أدركته الوفاة أوصى أن تحمل «رفاته» إلى موضع مقابر أبيه وجده يعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم السلام، ورُوِى لنا أن أهل مصر منعوا أولياء يوسف مِن حمله، فلما بعث الله موسى عليه السلام - وأهلَك على يدَيْه فرعون وغيره من الأمم - أمره أن يحمل «رفاة» يوسف «عليه السلام» إلى تربة يعقوب بالشام، وقبره علم بأرض بيت المقدس بقرية تسمى حسامي، وكذلك يعقوب مات بمصر فحملت «رفاته» إلى إيلياء، قرية بيت المقدس، وهناك قبر إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام». فحُب الوطن ليس تجبُّرًا ولا إجبارًا، ولا يحتاج إلى المزايدة والمساومة والجدل، ويخطئ من يظن أن الشعارات الجوفاء الرنانة؛ هى صك الوطنية والشرف والانتماء، فهو يعترف بالأفعال لا الأقوال، وبناء «كوخ» على حافة الحقل لفلاحٍ فقير يزرع الأرض؛ خيرٌ من مئات اللافتات الحريرية أو الهتافات التى تشق الحناجر إلى عنان السماء؛ وهى فى الحقيقة لا تساوى الهواء الذى صرخت به! فكم من حروبٍ خاضها هذا الوطن العظيم؛ من أجل استقلاله وعزته وكرامته؛ وانتصر على الإمبراطوريات التى لا تغرب عنها الشمس، والتى استعمرت أركانه فى غفلة من التاريخ؛ وكم من تضحيات جسام قدّمها الشباب والشيوخ والنساء والأطفال بدمائهم وأرواحهم؛ حين خرجوا للمطالبة بالاستقلال التام أو الموت الزؤام، وواجهوا بالصدور المفتوحة رصاصات الغدر من جنود الاحتلال.. حتى خرج بلا رجعة إلى الأبد! أيها الآباء.. أيتها الأمهات: واجبكم واجبكن الآن؛ أن تغرسوا «بذور الحُب» للوطن فى نفوس الأبناء منذ نعومة أظافرهم؛ وأن يعلموا من المهد أن الاجتهاد والتحصيل والنجاح؛ هو السبيل إلى إعلاء شأن الوطن بين الأمم، ليزهو بهم فى كل المحافل؛ حتى يكتبوا تاريخًا جديدًا يضاف إلى السجل العظيم فى سطور كتاب المجد، فالأوطان لا تنسى الأبناء الذين أضاءوا بأسمائهم صفحات كتاب الوطنية والشرف. وما أسعدنا حين تابعنا موجات البشر فى أنهار شوارع مدن وقرى ونجوع مصرنا الحبيبة من الإسكندرية إلى أسوان؛ وهى تؤكد بالإرادة الحرة الواعية إيمانها الذى لا يتزعزع ـ وبكل نُبل المقاصد والتوجهات ـ بأحقية هذا البلد العظيم أن يحيا كريمًا تحت قيادته الوطنية الشريفة؛ التى كانت على موعدٍ مع القدر؛ لتخليص مصر من عصابات الغدر والخيانة فى الداخل والخارج، ولتنتصر الإرادة الصلبة فى المضى قدُمًا من نصرٍ إلى نصر، لنكتب بكل الرومانسية ملحمة الحُب والفداء لتراب هذا الوطن العظيم. إن «الوطن» أجمل قصيدة شعر فى ديوان الكون أمر تؤكده الأيام وتسطره الكلمات وتترجمه خفقات القلوب أدامه الله علينا نعمة النعم.