الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الساحة والبرج.. ونظرية المؤامرة

الساحة والبرج.. ونظرية المؤامرة

لفهم التطورات السياسية مفاتيح أهمها التاريخ، فهى بناء مؤسس على أصول وجذور سابقة، ومحاولة فهمها على طريقة الاحداث المقطوعة المتفرقة بخلاف أنها قاصرة وضعيفة لن تصل بك فى النهاية سوى الى اللاشىء، ولذلك القراءة الصحيحة والفهم لما يحدث فى الحاضر والمستقبل يرتبط مباشرة بالعودة الى الماضى، فهو أصل أى ترابط منطقى تسير فيه الاحداث وهو ما فعله المؤرخ البريطانى نيل فرجسون الاشهر فى كتابة المهم «الساحة والبرج ..الشبكات والسلطة من الماسونيين الاحرار الى فيسبوك « الصادر عن دار التنوير من ترجمة الدكتور حسام نايل ضمن مبادرة الخازندار للترجمة». يأتى ذلك الكتاب ضمن سلسلة من الكتب التى يحاول حسام نايل ترجمتها ضمن مشروع خاص به يواجه من خلاله نظريات التفكيك وأثرها التخريبى على العقل العربى، ويمارس من خلالها تمردًا من نوع خاص على نخبة مثقفة تعيش بيننا وتمجد الافكار التفكيكية التى قادتنا فى النهاية الى الانسياق وراء أفكار كادت أن تهدم وتفكك المجتمع المصرى وتطمس هُويته، بل إن بعضهم اتخذ من أحد منظرى ما بعد الحداثة وهو الفيلسوف الفرنسى ميشيل فوكو مثلًا أعلى، وقرر أن يقلد دوره الداعم لحكم الملالى فى إيران مع جماعة الاخوان الارهابية . لا تبنى أحداث التاريخ على الصدفة، ولا يمكن الحكم عليها بخفة بربطها بنظرية المؤامرة، وكتاب الساحة والبرج، فضل أن يبنى ما يشهده العالم من تطورات وأحداث سياسية واقتصادية كبرى على ربط وترتيب مختلف للأحداث والبحث وراء أبطالها حتى نصل لنتيجة تكشف لنا الإجابة على اهم سؤالين لماذا، ومن المستفيد؟. ما يهم القارئ العربى فى الكتاب هو رؤيته المختلفة لما جرى فى سياق ما أطلق عليه الربيع العربى، ودور الشبكات فى هدم السلطة الهرمية، وكيف تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعى والشبكات الاجتماعية فى تهديد أمن ومستقبل الدول العربية، حيث أشار بوضوح إلى أن ما حدث فى تلك الاثناء ينطبق تماما مع ما طرحه اريك شميت وجاريد كوهين وهما من مديرى موقع جوجل عام 2010 أن الحكومات سـتُفاجَأ حين تُشَارِكُ أعدادًا كبيرة من مواطنيها، لا يتسلَّحون بأى شىء سوى الهواتف المحمولة، فى تمرُّدات مُصَغَّرة تتحدَّى سلطة هذه الحكومات»، ثم أشارا بوضوح الى أن «الفعل الحقيقي» فيما أسمياه «حالة التواصل» أو «الحَوْزَة المترابطة»، يوجد فى «المكاتب المكتظة فى القاهرة»، وكذلك «فى شوارع طهران»، فمِن هذه الأماكن وغيرها، يحشد النُّشَطاءُ والمهووسون بالتكنولوجيا الناسَ فى «احتجاجات خاطفة» سياسية تهزُّ الحكوماتِ، ويبنون أدواتٍ جديدةً تفلت من جدران الحماية والرقابة، فينقلون وينشرون عبر تويتر صحافةَ أونلاين جديدة، ويكتبون مشروع قانون حقوق الإنسان فى عصر الإنترنت».  لم يتوقف فرجسن كثيرًا أمام اسم كوهين ولم يهتم بتعريفه، لكن المترجم النابه حسام نايل قرر أن يميط اللثام حول تلك الشخصية المؤثرة فى سياق ما شهده العالم العربى خلال 2011 وهو يشغل حاليًا منصب الرئيس التنفيذى لشركة ﭼيجسو Jigsaw (واسمها السابق أفكار جوجل Google Ideas) وقد ضمَّته كوندوليزا رايس لوزارة الخارجية ضمن طاقم تخطيط السياسات كأصغر عضو فى تاريخ الحكومة الأمريكية (24 عامًا حينئذٍ).  فى عام 2008 أدار كوين خطةً رسمتها وزارةُ الخارجية الأمريكية، سُمِّيَتْ «تحالف الحركات الشبابية»، تُركِّزُ الخطةُ على كيفية استخدام المواقع الإلكترونية الاجتماعية مثل «فيس بوك» بوصفها أداةً لتعزيز التنظيمات والنشاطات الشبابية فى الأنظمة القمعية، وحسب نيويورك تايمز، يُعَدُّ كُوين أحدَ المُصَمِّمين الرئيسيين لما عُرِفَ عام 2010 بـ»صناعة الدول فى القرن الحادى والعشرين» مع ريتشارد بولى وآخرين فى وزارة الخارجية الأمريكية. يوصف كُوين بأنه مهندس الديمقراطية الرقمية والثورات المخملية. “الساحة والبرج” يحتاج قراءة متأنية، تستخلص الدروس وتنتبه للتغيير الكبير الذى حدث على لعبة الأمم.