الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
لوتى لاسيرشتين فنانة الحزب النازى والحركة النسائية

لوتى لاسيرشتين فنانة الحزب النازى والحركة النسائية

(لقد أتاحت لهن الحرب الأولى فرصة ذهبية للظهور فتركن حما أسرهن العريقة وتركن القصور والصالونات وخرجن للعمل للمساعدة فى الصراع الدائر فاشتركن فى الحراك الفنى والسياسى وشاركن فى مداواة الجرحى وعلاج المرضى كانت هذه هى البداية التى مهدها القرن العشرين للمرأة فى العالم الأوروبى).



هذا ماقالته الناقدة الإيطالية ماريكا أنتونيللى حينما أرادت ان تتحدث عن الطفرة التى أصابت عوالم المرأه فى أوئل القرن العشرين والتى ربما بدأت أرهاصاتها فى آواخر القرن التاسع عشر لكنها تشكلت وأصبحت حقيقة واقعة وأنجازا ظاهرا للعيان فى أوئل القرن العشرين خصوصا بعد الحرب العالمية الأولى والتى شاركت فيها المرأه الأوروبية بنصيب كبير فكانت هى أساس معسكرات المرضى وخرجت لنا فلورنس نايتنجيل وغيرها كثيرات من اللاتي رسمن خطا واضحاً للحركة النسائية فيما بعد ، والحقيقة أن هذا ينطبق بقدر كبير على الفن التشكيلى لأن المرأه بدأت فى الظهور وبشكل مكثف فيما بين الحربين الأولى والثانية وكان السبب فى ذلك أن المرأه دخلت أكاديميات الفنون الكبيرة على استحياء فى البداية لكنها أصبح لها وجودها القوى بعد الحرب العالمية الأولى ، كما أصبحت الفنانة التشكيلية ذات رؤية واضحة ومتضمنة للتيارات الفنية التى كانت تسود هذه الحقبة.

وتعتبر فنانتنا اليوم الفنانة الألمانية السويدية الكبيرة لوتى لاسيرشتين من الرعيل الأول للفن النسائى فى القرن العشرين لكنها كانت من هذه النوعية التى لم تكن ضمن مدرسة من المدارس الحداثية الجديدة لكنها على الرغم من ذلك تعطى أحايين كثيرة الشعور بأنها فى أعمالها كانت تؤيد بشدة المدرسة الطليعية وتظل لوتى لاسيرشتين فى أطار مدرستين محددتين وهما المدرسة الطبيعية والمدرسة الواقعية لكن بالطبع على طريقتها الخاصة لأننا لا نستطيع أن نقول أن أعمال لوتى كانت خالصة تماما من اللمسات الشخصية التى ميزت أعمالها وبشكل كبير حتى أن العديد من النقاد يعتبرون لوتى لاسيرشتين حركة خاصة وصيحة فى عالم الفن التشكيلى والدليل على ذلك أنه منذ ثمانينيات القرن الماضى أصبحت أعمال لوتى تحقق فى صالات الفنون أسعارا فلكية قاربت أسعار الأعمال التى رسمها دالى وبيكاسو وتيللا بل وتتسابق المتاحف الخاصة والعامة على أقتناء أعمالها وخاصة متحف برلين الذى أقتنى مجموعة من أعمالها بأكثر من مائتى مليون دولار كما خصص متحف المرأه التى اشتركت هى نفسها فى تأسيسة خصص لها قاعة خاصة تعج بأعمالها.

ولعله من الطريف أن تكون لوتى لاسيرشتين ابنة الحربين كما يقول كتاب السير الذاتية حيث بدأ نشاطها يزيد وتظهر لها ملامح فنية بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية مواكبة فى ذلك النمو المتزايد للحركة النسائية فى هذه الفترة ولعل البعض يتساءل ماذا يفيدنا فى هذه النقطة ؟ والرد واضح وظاهر بشكل شبه دائم فى أعمال لوتى بحيث بدت لوحات لوتى فى معظمها لوحات نسائية تبرز بشكل لا يقطع الشك الحركة النسائية وسباق المرأه الأوربية وهذة النقطة هى أحد المداخل النقدية لعالم لوتى التشكيلى حيث وصفت نسائها ب – النساء الباردات – وهذا التعبير يحمل فى طياته معانى كثيرة وكبيرة تحل لنا ألغاز كثيرة فى أعمال لوتى بحيث بدت نساء لوحات لوتى لايبدين أى انفعال على وجوههن لكن يظهرن فى صورة باردة وثابتة مقصودة من قبل لوتى كذلك من الناحية التشريحية ظهرت نساء لوتى رياضيات تتفجر أجسامهن فتوة وحيوية وشبابا بل وعرف عنها تقديرها للمثال الأكثر ميولا للذكورية والسبب فى ذلك واضح وهو أن نساء لوتى هن النساء اللاتى خضن غمار العمل العام وانضممن للمؤسسات العامة والحركات الوطنية بل والمؤسسات العسكرية أيضا ونجد ذلك فى بورتريهات لوتى التنى صورت فيها نساء بعينيهن فى زى عسكرى أو مؤسسى ، السبب الثانى فى صفة البرودة التى لحقت بنساء لوتى هو أنها كانت دائما تستخدم موديلا واحدا فى معظم أعمالها وهى فتاة كانت تدعى – تاروت روز – وظلت هى موديلها المفضل عقود عديدة وكانت صفات روز التشريحية هى صفات الأنثى الرياضية التى يتقرب جسدها اكثر للشكل الذكورى ويبدو ذلك أكثر وضوحا فى لوحتها الشهيرة – امرأة بملابس التنس – والتى كانت روز هى الموديل التى استخدمتها فى هذه اللوحة والتى تعتبر أحد أهم أعمال لوتى ، وهكذا كانت الصفات التشرحية للأنثى الغلامية كما يسميها الأديب السويسرى الكبير فردريش دورنيمات. ونستطيع أن نؤكد أن هذه السمات التى سقناها فى أعمال ومنهج لوتى لاسيرشتين كانت هى طريقها لخطوة مهمة فى حياتها وهى اختيارها من قبل الحزب النازى إبان صعوده لتكون هى الرسامة الخاصة لمنشورات وملصقات الحزب وكانت مختصة بنموذج المرأه فى الفكر النازى الذى أراد الحزب أن يصورها بيد لوتى امرأة عاملة مناضلة ناجحة ومشاركة ضمن جميع الأنشطة الحياتية العالمة فى دولة الحزب المرتقبة ، وتميزت أعمالها فى هذه الفترة برسوخ وعملية كبيرة رسمت جزءا كبيرا من شخصيتها المستقبلية. كانت اهم محطات الشهرة التى مرت عليها لوتى لاسيرشتين هى أهم أعمالها على الأطلاق وهى لوحة وصفت بأنها من أهم أعمال الفن التشكيلى فى القرن العشرين لوحتها الشهيرة – المساء فى بوستدام – وهى لوحة تظهر فيها لوتى نفسها جالة على طاولة ضمن مجموعة من الأشخاص يتناولن عشاء خفيفا فوق أسطح مبنى فى بوستدام وكما تتبدى عبقرية لوتى فى التشريح الحركى للأشخاص فى اللوحة تتبدى أيضا عبقريتها وبشكل أكبر فى تصوير المبانى وخط الأفق فى بوستدام تلك المدينة الهادئة ، ولعل من الطريف أن نلفت النظر أن اللوحة قد تكون مستوحاة من عدة لوحة فى عصر النهضة مع اختزال طبيعى ف الشخصيات والحدث وتذكرنا بلوحة عرس قانا وعشاء فى بيت أحد اللاوين لكن مع الفارق كما قلنا ويقول عن اللوحة الكاتب فردريش دورينمات أنها تمثل عظمة وأريحية الحياة قبل أندلاع الحرب العالمية الثانية .