الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تركيا والأزمة الليبية

تركيا والأزمة الليبية

الحقيقة لا يوجد زمن سخيف وآخر حصيف، ولكن سخافة الزمن دلالة على تفاهة وضآلة من يعيش فيه، وكثرة كلام التخاريف التى تُقذف من فيه، وهذا يحدث عندما يُوّسدُ الأمرُ إلى غير أهلهِ، ويُرفع شأنُ من ليس أهلٌ له، وهو ما يُعرفُ بزمن الرويبضة، كما جاء على لسان من لا ينطق عن الهوى- صلى الله عليه وسلم- «سيأتى على الناسِ سنواتٌ خداعات يُصدّقُ فيها الكاذب، ويُكذّبُ فيها الصادق، ويؤتمنُ فيها الخائن، ويخُوّنُ فيها الأمين، وينطقُ فيها الرويبضة، قيل: ما الرويبضة؟ قال: الرجلُ التافهُ يتكلمُ فى أمر العامة». والرويبضة هو السفيه الذى لا عقل له يتكلم فى أمر العامة، أى فى السياسة، وما أكثر هؤلاء اليوم من الشخصيات التى طفت على سطح بركةِ السياسة الرسمية الآسنة، ومن هؤلاء الرويبضة، أردوغان _ سفيه هذا العصر وهذا العالم. تتسم التحركات التركية داخل الساحة الليبية بالانخراط فى عدة مسارات متوازية سياسيا واقتصاديا وعسكريا، حيث كان الدورى التركى حاضرا بقوة منذ اندلاع الأزمة الليبية فى فبراير 2011 ولكن من أجل الحرص على المصالح التركية الاقتصادية فى ليبيا التى تقدر بنحو 15 مليار دولار خصوصا أن السوق الليبية تمثل أبرز أهم النشاطات التركية حيث يوجد نحو 120 شركة تركية. وبعد سقوط النظام الليبى بقيادة الرئيس السابق معمر القذافى شهدت السياسة التركية تحولا فى توجهاتها حيث اتجهت نحو تقديم الدعم للتنظيمات المسلحة الممثلة فى حزب العدالة والبناء المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين وميليشيات مدينة مصراتة فى الغرب الليبى، ومن قبل قدمت أنقرة الدعم للجماعات المسلحة فى تحالف فجر ليبيا فى مواجهة عملية الكرامة التى أطلقها الجيش الوطنى الليبى فى مايو 2014 بقيادة المشير خليفة حفتر وهو ما تسبب فى توتر علاقاتها مع الشرق الليبى ومن ثم انتقض قائد الجيش الليبى فى الشرق التحركات التركية القائمة على دعم الإرهاب فى ليبيا، على خلفية تزايد أعداد المقاتلين الأجانب فى ليبيا من خلال الرحلات الجوية المباشرة من تركيا إلى مصراتة تنقل مسلحين من جبهة النصرة فى سوريا، وأصدرت حكومة الشرق الليبى قرار بإيقاف التعامل مع جميع الشركات التركية فى ليبيا ردا على سياساتها الدائمة لتحالف فجر ليبيا ومن ثم كانت هذه الاشكاليات بمثابة الدافع الأول لإعادة النظر من جديد حول جدلية وحدود وطبيعة الدور التركى فى ليبيا.  فيما شاهد الدور التركى الكثير من التغييرات سواء بالانخراط بصورة مباشرة أو غير مباشرة فى الداخل الليبى وهذا التغيير فى حدوده وأنماطه لا يمكن فصله عن الدوافع التى تستهدفها تركيا لتحقيقها ولا على انتقال الدور التركى فى ليبيا من الشكل المستتر إلى مرحلة العلانية، يؤكد هذه التوجهات فمنذ نهاية نوفمبر 2019 عندما وقعت أنقرة مذكرة تفاهم تتعلق ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمنى عقب زيارة السراج إلى تركيا، أعقب ذلك إعلان الرئيس التركى أردوغان اعتزام التدخل العسكرى فى ليبيا. وسنعرض فى المقالة المقبلة الدوافع الأساسية للتدخل التركى فى الأزمة الليبية بالتفصيل.