
محمود بسيونى
«صن تزو» ينتصر على كورونا
تملك الصين فلسفة عظيمة فى الحياة استلهمتها من أقوال الفيلسوف الصينى الشهير «صن تزو» مؤلف كتاب فن الحرب، وهى إن الحرب قضيّة حياة أو موت، وهى طريقٌ إمّا للبقاء أو للاندثار، وأن الثقة بين القيادة والجنود وتحليهم بالانضباط، هى طريقهم ليس فقط للانتصار وإنما لتحويل كل ما هو محنة إلى مكسب.
المتابع لتاريخ الصين وتطورها يدرك تماما أننا أمام شعب استثنائى، لديه صبر وتفان وانضباط شديد أوصله إلى أن يحول بلاده إلى قوة عظمى تفرض سيطرتها على العالم بمنتجاتها، شعب مقاتل وعنيد يمتلك القدرة على تحويل أى محنة أيا كانت خطورتها وعنفها إلى مكسب فى النهاية.
وربما كانت محنة فيروس كورونا من أصعب الاختبارات التى دخلتها الصين، فقد ظهر الفيروس الغامض فجأة فى نهاية ديسمبر الماضى، مثيرا للذعر والفزع داخل الصين وخارجها، فى نفس التوقيت كانت الصين تتعرض لضغوط شديدة من الولايات المتحدة فى إطار الحرب التجارية بين البلدين للتوقيع على اتفاق للتجارة محوره تعهد صينى بشراء سلع أمريكية إضافية بقيمة 200 مليار دولار على مدى عامين بهدف خفض عجز تجارى ثنائى مع أمريكا وصل إلى ذروته عام 2018 عندما بلغ 420 مليار دولار، ورغم الاتفاق، فرضت الولايات المتحدة رسوما إضافية على منتجات صينية، بشكل يؤكد وجود تصميم أمريكى على تحجيم القوة الاقتصادية الصينية الهائلة، ولم يكن هناك افضل من ظرف كورونا لتبالغ الولايات المتحدة فى مطالبها بل تقسوا أيضاً على الصينيين.
وجد الصينيون أنفسهم محاصرين ما بين فيروس قاتل ينتشر بسرعة رهيبة ويثير الذعر بين السكان والمستثمرين مسببا خسائر اقتصادية فادحة، وقوة عظمى منافسة ترى فى الظرف الإنسانى فرصة للانقضاض على التنين الصينى وتحجيمه، ووسائل إعلام غربية تخلت عن آدميتها وقامت بربط الفيروس بالمواطن الصينى، واستخدمت فى ذلك أدوات تنميط ربطت بين المأكولات الشعبية الصينية وبين سبب الفيروس ثم رددت معلومات مضللة عن الصينيين حتى أصابت العالم بفوبيا تظهر أعراضها عند رؤية أى صينى يسير فى الطرقات، وبالتأكيد طال ذلك منتجاتهم، إلى أن وجد الصينيون أنفسهم فى النهاية يواجهون محنة مفاجئة شرسة تهاجمهم بضراوة من كل اتجاه وبلا رحمة.
فى مثل تلك الظروف الصعبة ربما يشعر البعض باليأس والإحباط، تمتلكه هواجس تضعف مقاومته ثم تقوده نحو الاستسلام والموت، لكن الصين قررت التحدى، واستخدمت موهبة شعبها الفريدة فى حب العمل والاتقان وقررت بناء أكبر مستشفى فى 10 أيام داخل مدينة وهان بؤرة انتشار الفيروس، لم تخش أطقمها الطبية من الإصابة بالمرض القاتل وتعاملت مع كل الحالات المصابة حتى بدأت تظهر بوادر ايجابية بتحسن حالة البعض وشفائهم.
فرضت الحكومة حظرا كاملا على حركة مواطنى المدينة وتحرك الجيش الصينى ليوزع الطعام على المنازل، تجاهل الصينيون تماما الخسائر وما يردده الاعلام الغربى وقررت عودة الحياة بأقصى سرعة للمصانع ولحركة مواطنيها، ودخل خبراء صناعة الأدوية الصينيون فى سباق الوصول إلى المصل المضاد للفيروس بل أعلنت انه قد يكون جاهزا فى أبريل المقبل.
ثم جاءت زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج لمدينة ووهان، مركز تفشى فيروس كورونا، ليوجه رسالة للعالم على أن الصين تسيطر على الوضع وأن جهودها لاحتواء الفيروس باتت تؤتى ثمارها وبالفعل نسب الإصابة تراجعت فى مقابل نسب الشفاء.
استجماع الصين لقواها سريعاً فى مواجهة كورونا، يقول ان الدولة الناجحة نتاج تعاون بين الشعب والدولة، ويؤكد أن الانضباط والصبر والعمل فى مواجهة المحن وعدم الالتفات للشائعات ومكافحة التفاهات هى السبيل الوحيد للنجاة والانتصار.