الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فتنة المحافظ وبدو سيناء !
كتب

فتنة المحافظ وبدو سيناء !




 


 

كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 31 - 07 - 2010



- حساسية البدو مفرطة تجاه وطنيتهم ويجب احتواؤهم في أحضان الوطن
- هم تغيروا وعرفوا الاحتقان مثلما يحدث في مظاهرات ميدان التحرير
- مبادرة إطلاق سراح المعتقلين يجب أن تستمر وعدم السماح بإفسادها
- قلب إسرائيل مازال يقطر دما بعد تحرير سيناء بأرواح ودماء شهدائنا
- حق الانتفاع هو البديل الآن للتنمية بعد تجربة «سياج» المريرة
- هذه هي حزمة المشروعات التي تحقق التنمية الشاملة في سيناء
لا أريد أن أفسر الفتنة المفتعلة بين محافظ شمال سيناء والبدو بنظرية المؤامرة، ولكن بمنتهي حُسن النية، لأن سيناء بالذات يجب أن تهدأ، فهي ليست المنيا التي شهدت المظاهرات الكاذبة لكاميليا، ولا الإسكندرية التي تعوم فوق حادث خالد سعيد. ولا أي محافظة مصرية أخري.
الأطماع في سيناء كثيرة، والأصابع التي تعبث أكثر، وهي المنطقة الأهم بالنسبة للأمن القومي المصري، والمحافظ اللواء مراد موافي لم يمض علي توليه منصبه ستة شهور، ورغم ذلك فهو يحاول أن يتحسس طريق التنمية الصعب، الذي تحوطه محاذير وعقبات كثيرة.
1 - البدو.. بين الحساسية المفرطة والاتهامات المرسلة
يجب أن نعي جيدًا أن البدو لديهم حساسية مفرطة لكل ما يمس وطنيتهم أو يقترب من تضحياتهم، فلم يكن ذنبهم أن سيناء تم احتلالها، فوقعوا تحت سيطرة إسرائيل، واضطروا للتعامل معها، فهذا ما يحدث لأي شعب يتعرض لنفس الظروف.
المناطق الحدودية لها طبيعة خاصة، وسكانها لهم تركيبة اجتماعية ونفسية مختلفة، والحدود لا تقف أبدًا حائلاً بين اختلاط الأنساب ومد الجسور بين السكان علي الجانبين، وهذا لا يعني بالمرة أنهم خونة أو عملاء أو جواسيس.. إلا من يثبت عليه ذلك بالأدلة القاطعة، وليس بالاتهامات المرسلة.
بدو سيناء لهم بطولات كثيرة سجلتها المخابرات المصرية خصوصا أثناء فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، ولعل أشهرها سنة 68 عندما لقنوا وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت «موشي ديان» درسًا قاسيًا، ورفضوا تدويل سيناء، وقالوا أمام كل وسائل الإعلام العالمية في مؤتمر الحسنة إن سيناء مصرية ومن يريد التفاوض بشأنها عليه أن يذهب إلي الرئيس عبدالناصر.. وانفجر هدير الهتافات «تحيا مصر».
قال عنهم ديان: «إنهم يأتون مثل الأشباح ولا نراهم»، ورفضوا كل الإغراءات الإسرائيلية وأكدوا في كل المواقف انتماءهم لوطنهم مصر، ولذلك هم يتوقعون في كل وقت أن نقول لهم: «شكرًا» وأن نعترف بفضلهم، ليس بالكلام، ولكن بتنمية سيناء، وفتح سبل الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم.
2 - البدو تغيروا.. كما تغيرت مصر
لم تقف قناة السويس حائلاً دون أن تهب أجواء الاحتقان والاحتجاج والتظاهر والغضب علي سيناء مثلما يحدث في مصر الآن، وبعض البدو يعبرون عن أنفسهم كغيرهم من أبناء الحركات الاحتجاجية في وطنهم الأكبر.. فيهم أيضا «كفاية» و«شايفنكو» و«6 أبريل» والحركة الوطنية للتغيير، ولديهم صحفيون ومراسلون يعملون بنفس أسلوب الفضائيات والصحف الخاصة.. فلماذا نغضب من بدو سيناء وحدهم إذا فعلوا ذلك؟
كما تحدث احتكاكات بين المتظاهرين وقوات الشرطة في ميدان التحرير، يقع نفس المشهد في العريش، وأحيانًا في المناطق الحدودية، وكما تبالغ بعض الفضائيات والصحف الخاصة في تضخيم حوادث عادية تقع في أي محافظة مصرية، تفعل ذلك مع بدو سيناء.
كما تغيرت مصر والمصريون، تغيرت سيناء وتغير البدو، وأصبح بعضهم يواجه قوات الشرطة المصرية بالطوب والحجارة وأحيانا بتبادل إطلاق النار، والاختباء في الكهوف والجبال والمناطق الجبلية الوعرة.. هم مصريون كغيرهم، ولا يصح أبدا نعتهم بأية أوصاف فيها شبهات الخيانة أو العمالة لمجرد قيامهم بذلك.
البدو تغيروا ويجب أن يتم التعامل معهم بأسلوب مختلف وحوار مختلف، وأن يتم احتواؤهم في أحضان الوطن وحمايتهم من الأيدي التي تعبث والتي تحاول دائما خلق وقيعة بينهم وبين الدولة والأجهزة المصرية، أو التلويح بأن إسرائيل تقف وراءهم أو أنها كانت أفضل لهم من مصر.
3 - ترشيحات الأمن ورغبات البدو
إذا كانت مبادرة الأمن بالإفراج عن المعتقلين تستهدف إعادة الهدوء للبدو، فلا ينبغي السماح بإفسادها، خصوصا من بعض المتهمين المطلوبين علي ذمة قضايا جنائية، الذين تتسابق بعض وسائل الإعلام في تحريضهم وتشجيعهم علي تحدي القانون وأجهزة الأمن.
من حق هؤلاء المتهمين أن يخضعوا لمحاكمة مدنية عادلة، وأن تتوافر لهم كل السبل القانونية للدفاع عن أنفسهم وإثبات براءتهم، مع إعطاء المشايخ والعوائل دورًا في ذلك، نظرًا لطبيعة مجتمعات البدو التي تعمل بهذا النظام.
يجب - أيضاً - التصدي لمحاولات الوقيعة بين قيادات البدو، بوصف بعضهم بأنهم «الشيوخ الحكوميون»، صحيح أنه يتم تعيينهم عن طريق مديريات الأمن مثل النظام المعمول به لتعيين العمد والمشايخ في كل أنحاء مصر، ولكن من المفيد دراسة مقترحات تقدم بها الشيوخ لتحقيق التوازن بين ترشيحات الأمن ورغبات البدو.
4 - حقيقة تصريحات المحافظ
لا أتصور أن اللواء مراد موافي محافظ شمال سيناء يمكن أن يتهم بعض البدو بأنهم يعملون لحساب إسرائيل، ثم «تضربهم بالجزمة»، وذلك لعدة أسباب:
أولاً: لأن هذا الرجل يحفظ سيناء والبدو عن ظهر قلب، وخدم لمدة 40 سنة في القوات المسلحة وعمل في سيناء كقائد كتيبة ولواء، وفي حرب 73 كان ضمن قوات الصاعقة التي قامت ببطولات كبيرة، شارك فيها بعض البدو، وبالتالي فهو يعرف بطولاتهم ولا يمكن أن تصدر عنه تصريحات تسيء إليهم.
ثانيًا: لأن المحافظ وضع نصب عينيه خطة تنمية شاملة سوف تحدث نقلة غير مسبوقة في سيناء، وبالتالي هو يحتاج تضافر جميع الجهود وفي صدارتها البدو، وليس تشتيتها أو افتعال الأزمات معهم.
ثالثًا: أثناء توليه قيادة المخابرات الحربية كان مسئولا عن أمن الحدود المصرية الشمالية، ومسئول أمني بهذا المستوي الرفيع لا يمكن أن يطلق الاتهامات جزافاً، ولكن ربما فُهم كلامه بطريقة لم يقصدها.
رابعًا: لأن المحافظ هو أول المؤيدين لخطة وزارة الداخلية بالإفراج عن المعتقلين من أبناء سيناء، ويلعب دوراً مهماً بين المشايخ وبين أجهزة الأمن لاستمرار المبادرة وعودة الهدوء والاستقرار.
5 - التنمية بضوابط.. حتي لا نندم!
سيناء ليست كأي بقعة مصرية أخري، يمكن أن يفتح فيها الباب علي مصراعيه لرأس المال الأجنبي والعربي وحتي المصري، وأمامنا تجربة سياج المريرة في جنوب سيناء، ويمكن أن تتكرر بدخول رءوس أموال إسرائيلية تحت مظلة استثمارات دولية لتتملك سيناء، وإسرائيل بالذات يجب أن تبتعد تماماً عن تلك الأراضي، والتاريخ يدق أجراس الخطر في اغتصاب فلسطين بشراء اليهود لأراضيها.
سيناء يجب أن تكون الاستثمارات فيها للمصريين فقط، وبحق الانتفاع وليس البيع أو التملك، فرأس المال مهما كانت وطنيته ليست له جنسية، ويمكن أن يتسلل من خرم إبرة، مهما كانت الشعارات البراقة المرفوعة التي تتاجر بقضية تعمير سيناء، حتي لو كان الثمن هو سرقة أراضيها.
حق الانتفاع هو البديل الآمن لتنمية سيناء، والدولة يمكن أن تعطي ضمانات كبيرة ومددًا معقولة لمختلف المشروعات، وتحافظ علي التزاماتها وتعهداتها، ولن نقول أبدًا لمستثمر «فلتأخذ مصنعك فوق كتفيك وترحل»، أما الخطر الذي يجب الانتباه له فهو أن تسود فوضي تملك الأراضي بسيناء.
الأموال تشتري النفوس الضعيفة وربما القوية، والبعض يضحون بالوطنية والشعارات إذا كانت تجلب له الأموال والثروات، وبعض رجال الأعمال والمستثمرين يخلقون لهم نظريات وتفسيرات تتسع لكل شيء، وربما نجد بعضهم يقول: «وإيه يعني لو جت استثمارات إسرائيلية لسيناء»؟ فماذا يمكن أن تفعل مع أمثال هؤلاء؟
6 - البدو ليسوا جميعًا ملائكة
مثل سائر البشر لا يوجد مجتمع كله من الملائكة، وعندما يكون بعض البدو متهمين في قضايا جنائية أو سياسية، فليس معني هذا أن البدو جميعًا في قفص الاتهام، وليس معني أن يكون بعضهم متهمًا في زراعة أو الإتجار بالمخدرات أنهم جميعاً تجار مخدرات، وليس معني قيام أجهزة الأمن باعتقال المشتبه فيهم أنها تعتقل كل البدو وتوجه إليهم أصابع الاتهام.
وعندما ينتقد محافظ شمال سيناء الصحف الخاصة التي صورت بعض البدو المطلوب القبض عليهم وهم يرفعون علامات النصر، فليس معني هذا أنه ارتكب جرمًا أو أخطأ في الكتاب المقدس، فالجريمة موجودة طالما وجد البشر، ولا يجب أبدا أن نمارس ضده حملات الابتزاز والإرهاب، أو أن يهدده البعض بمسيرات السيارات والبلاغات للنائب العام.
المحافظ - أيضًا - قال إن جميع أبناء سيناء وطنيون ويلعبون دورًا مهمًا في حماية الأمن القومي المصري، وأن بدو سيناء كان لهم دور إيجابي ومواقف بطولية، وحصل العديد منهم علي أنواط الامتياز من الطبقة الأولي.. ولكن لم يهتم أحد بهذا الكلام ولم ينشر «مانشيتات»، وكان الهدف من القضية هو التربص به واصطياد الأخطاء.
ليس دفاعًا عنه لأنه ليس متهمًا، ولكن إحقاقًا للحق، ونفس هذا الرجل هو الذي تصدي لصحيفة «نيويورك تايمز» عندما قالت: «في حالة وجود توتر بين مصر وإسرائيل فسوف يحمل البدو السلاح لصالح إسرائيل».. اللواء موافي هو الذي رفض هذا الاتهام بشدة، وقال إنهم عيون مصر الساهرة وضميرها الحي وقلبها النابض بالوطنية، ولا نسمح أبداً بالمساس بهم أو التشكيك في وطنيتهم.
لماذا لم يذكروا هذا الكلام للمحافظ، وتصيدوا له بعض العبارات التي خرجت عن السياق، وفُهمت في غير مقصدها؟
7 - سيناء ينتظرها مستقبل باهر
علي الحدود الشمالية تقبع إسرائيل، ومازال جرح تحرير سيناء يقطر دمًا في قلبها، وكل الجروح تندمل بمرور الوقت إلا سيناء بالنسبة لإسرائيل، وكثير من قادتها صرحوا بأن الانسحاب من سيناء كان خطيئة العمر التي يندم عليها الإسرائيليون بعد تحريرها بأرواح الشهداء المصريين ودمائهم.. وبجانبها توجد حماس، ولها أيضاً أطماع في سيناء، أحلام الإمارة الإسلامية التي تأتي من إيران مرورًا بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، ثم تقف علي بوابة سيناء.
سيناء ينتظرها مستقبل باهر في التنمية، وسوف تشهد في الفترة القادمة حزمة من المفاجآت، أهمها:
مشروعات سياحية في المنطقة الشمالية التي تقع في المرتبة الثانية في العالم من حيث الجو والبحر بعد هاواي، وشاطئها الذهبي الذي يضم 367 نخلة في منظر بديع، وأيضاً منطقة «ليه الحصين» ومعناها «ذيل الثعلب الأحمر»، وهي منطقة رائعة شرق العريش، يدرس مجلس الوزراء الآن سبل استثمارها، وكذلك شاطئ «الرواق» علي بحيرة البردويل، حيث قدم مستثمر مصري عرضاً ضخما لتنميته.. وهناك دراسة أيضاً لإعادة إحياء مسار العائلة المقدسة بعرض للصوت والضوء.
مناجم سيناء مازالت كنوزا، مثل الرمل الزجاجي الأبيض الذي تشتريه تركيا ب 3 دولارات وتغسله ب 4 دولارات ثم تبيعه ب 77 دولاراً، وكذلك الرخام الذي يباع بلوكات، والأراضي الزراعية الشاسعة في «السر والقوارير» 85 ألف فدان.
السيدة سوزان مبارك قدمت القرية الرائدة كهدية لمتضرري السيول من سكان «الحسنة» ويجري العمل الآن في المرحلة الثانية لخلق مجتمع جديد، وتبرعت المحافظة لإنشاء قريتين نموذجيتين في «نِخل»، وتقوم القوات المسلحة ببناء 5 قري.
لا وقت لإثارة الفتن وإشعال الحروب في سيناء، لأنها بالفعل متعطشة للتنمية، سيناء التي قال فيها المولي عز وجل: «والتين والزيتون وطور سينين».. كلمة «سينين» تعني شجرا ومفردها سينيه، وكلمة الطور تعني حجراً أو بلاد الأحجار، وسميت سيناء بذلك لكثرة جبالها.

كرم جبر