الجمعة 4 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكرى ميلاده

ماريو فارجاس يوسا.. أديب الحرية

«الأدب هُو قوت الرّوح المتمرِّدة، هو إعلان عَدم الانْقياد، هو ملجَأٌ لمن لديهم القليل جدًّا أو الكثير جدًّا فى الحيَـاة».. هكذا كان مبدأ الروائى البيروفى خورخى ماريو بيدرو بارجاس يوسا، هذا العبقرى الذى سعى خلال كتاباته إثبات أن الأدب مرآة لقوة الشعوب وتحضرها بل هو الهواء الذى تتنفسه الأمم.



وقال يوسا فى إحدى مقالاته: كان بورخيس ينزعج كثيرًا كلما سئل «ما هى فائدة الأدب؟» كان يبدو له هذا السؤال غبيًا، لدرجة أنه يود أن يجيب بأنه: «لا أحد يسأل عن فائدة تغريد الكنارى، أو منظر غروب شمس جميل».

ويضيف يوسا: «لا يوجد من يعلمنا أفضل من الأدب أننا نرى برغم فروقنا العرقية والاجتماعية ثراء الجنس البشري، ولا يوجد ما هو مثل الأدب لكى يجعلنا نكافئ ونمجد فروقنا بوصفها مظهرًا من مظاهر الإبداع الإنسانى متعدد الأوجه. قراءة الأدب الجيد هو مصدر للمتعة بطبيعة الحال، ولكنه أيضًا تجربة لنعرف من نحن وكيف نكون، بعيوبنا وبنقصنا، من أفعالنا وأحلامنا وأشباحنا، وحيدين وفى العلاقات التى تربطنا مع الآخرين، فى صورتنا العامة الظاهرة لدى الآخرين أو فى تجاويف وعينا السرية.

ولد ماريو فارجاس يوسا فى 28 مارس 1936 فى مدينة أركويبيا البيروفية لأبوين من الطبقة الوسطى، قضى يوسا جزءًا من طفولته فى بوليفيا، وبعدها عمل صحفيًا قبل أن يسافر إلى إسبانيا لدراسة الأدب، ثم استقر فى ولاية نيوجرسى الأمريكية كمحاضر فى جامعة برينستون.

وإذا تتبعنا مسيرة حياة هذا الروائى العبقرى نرى أنه أحدث طفرة فى أدب أمريكا اللاتينية، واستطاع أن يحفر اسمه فى تاريخ هذه القارة سواء فى الأدب أو السياسة خاصة بعد تجربة خوضه للانتخابات الرئاسية فى بيرو تسعينات القرن الماضي.

ويرى بعض النقاد أنه يتمتع بتأثير عالمى وجمهور دولى أعرض مما لدى أى كاتب آخر ينتمى إلى حركة «الازدهار الأدبية فى أمريكية اللاتينية»، وهذا الأمر كان أساس نيله جائزة نوبل للآداب عام 2010 «عن خرائط هياكل القوة التى رسمتها أعماله وتصويره النيّر لمقاومة الفرد وثورته وهزيمته».

ونرى العديد من أعمال بارجاس يوسا متأثرة بوجهة نظر الكاتب حول المجتمع البيروفى وتجاربه الشخصية بوصفه مواطنًا بيروفيًا، غير أنه عمل على توسيع مداه بشكل متصاعد، فعالج موضوعات وأفكار مستوحاة من مناطق أخرى من العالم.

 وأقدم بارجاس يوسا فى كثير من مقالاته وكتاباته القصصية على نقد الوطنية ضمن مناطق مختلفة من العالم، وشهدت مسيرته تحولًا آخر تمثل فى الانتقال من أسلوبٍ ومنهج مرتبط بالحداثة الأدبية إلى أسلوب ما بعد حداثة عابث أحيانًا.

يوسا و«عرائس الماريونت»

أكثر ما مميز روايات بارجاس يوسا هو اختياره للمواضيع وسير خط الأحداث  فنرى أن الرواية تسير فى أكثر من خط متوازى فى وقتًا واحدًا بالإضافة إلى وضعه جزء من أفكاره ومعتقداته داخل الشخصيات لاسيما تكوين الشخصية الرئيسية فى الرواية، أما باقى الشخصيات فنرى يوسا يتعامل معها بصرامة وشدة ويعمل على تحريكها كأنها «عرائس ماريونيت» تسير على خطاه ليرسم من خلالهم لوحة دقيقة بالعديد من التفاصيل، ربما تكون مملة فى بعض الأحيان، تعكس ما يدور فى مخيلته.

وقد ظهر هذا جليًا فى روايته الشهيرة «دفاتر دون ريغوبيرتو» التى يرى النقاد أنها تعكس العديد من معتقدات يوسا فى النساء، الحب، الجنس، والفن.

يوسا فى مواجهة ماركيز

ربطت بين ماريو فارجاس يوسا وجابريل جارثيا ماركيز صداقة قوية استمرت لأعوام بين قطبى الرواية اللاتينية، إلا أن هذه الصداقة لم تدم بل وتحولت فيما بعد إلى أعظم عداء فى الأدب العالمي، ونسى يوسا الذى كتب تحليلًا أدبيًا فيه ثناء على أعمال ماركيز كرسالة للدكتوراه وطلب منه أن يكون أبًا روحيًا لابنه قد تجاوز كل هذا حتى وفاة ماركيز عام 2014. 

وقد عرف يوسا صديقه عن طريق قراءته لأعمال ماركيز الأدبية وإعجابه بها، ثم بدأ بمراسلته وتعرفا على بعض ونشأت بينهما علاقة صداقة قوية حتى قبل أن يلتقيا فى مطار كاراكاس، واستمرت صداقتهما لسنوات طويلة، حيث انتهت فى ستينات القرن الماضي، وبالأحرى خلال فترة ازدهار يوسا فى إبداعه الأدبي.

ويرجح البعض أن الخلاف كان سياسيًا بسبب إيمان أحدهما بالوقوف مع الثورة الكوبية وهو يوسا بينما الآخر لم يقتنع بذلك، ورغم كل تلك الاجتهادات فى معرفة السبب، فإن الأديبين اتفقا على الحفاظ على العهد بينهما وعدم إفشاء سر ما حدث أبدًا، وحقق ماركيز تلك النقطة فعلًا ومات وقد أوفى بعهده وأقر يوسا باحترامه لذلك العهد أيضًا وأنه سيفعل مثل ماركيز ولن يفشى هذا السر.

وكان هناك حادثة شهيرة بين الأديبين فى عام 1976، فى إحدى دور العرض بالمكسيك وخلال عرض فيلم «البقاء» اندلعت أشهر وأطول معركة أدبية بين قطبى الرواية فى أمريكا اللاتينية؛ حيث نهض ماركيز من مقعده فى صالة السينما ليعانق صديقه الحميم ماريو لكن الثانى بادره بلكمة قوية أسالت الدم من عينه اليسرى.

وقد عزز هذا الخلاف الشخصى من الخلافات الأدبية والسياسية بين الخصمين، حيث بدأ ماريو فارجاس  بانتقاد العلاقة التى تربط خصمه جابرييل جارسيا ماركيز بالرئيس الكوبى فيدل كاسترو متهماً ماركيز بالنفاق وبالوقوف مع الديكتاتورية ضد الحرية التى ينادى بها أى مثقف حقيقي. وفى المقابل أخذ ماركيز ينتقد انحراف صديقه السابق نحو الأحزاب اليمينية وممالأته للسلطة التى جلبت الدمار لأمريكا اللاتينية.

تخبط سياسي

عرف «يوسا» بآرائه السياسية المتشددة، وبتأييده لنظام فيديل كاسترو فى كوبا، الأمر الذى تراجع عنه فى ما بعد، كما أنه ترشح للانتخابات الرئاسية بالبيرو، سنة 1990، مع تجمع الوسط اليميني، لكن لم يحالفه الحظ، وشن حملات على هوجو تشافيز، رئيس فنزويلا، والحليف المقرب من نظام كوبا الشيوعي، واتهمه بـ»الحد من الحريات العامة، وحرية الصحافة، وحرية السوق، وكل ما تقوم عليه الثقافة الديمقراطية».

بعد ذلك، تعرض فارجاس يوسا لمضايقات كثيرة، بسبب مجاهرته برأيه واعتراضه على تحول فنزويلا إلى «كوبا ثانية» فى أميركا اللاتينية، وأثارت زيارته إلى فنزويلا جدلا فى بلاده، خاصة بعدما احتجزت سلطات المطار فى كراكاس جواز سفره لساعات، وقال، تعليقا على ذلك الحادث فى المطار «لا يسعنى أن أصدق أنهم يحاولون تكميم فم رجل بهذه المكانة، يدافع بشكل أساسى عن الحرية والديمقراطية».

وصدرت له مجموعة من الأعمال الروائية والشعرية والدراسات السياسية، منها «محادثة فى الكاتدرائية»، و»البيت الأخضر»، التى عرفت نجاحا كبيرا، وأخرجته من العزلة، فبعدها، واصل التأليف، وأصدر روايات معظمها يعالج المواضيع السياسية، والتاريخ المضطرب فى دول أميركا اللاتينية.

إبداع روائى 

بدأت مسيرة يوسا الأدبية من خلال روايته الأولى «المدينة والكلاب» (La ciudad y los perros) التى نال عليها جوائز عديدة منها جائزة «ببليوتيكا بريفي» عام 1963 م وجائزة «النقد» عام 1998 وقد ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية، وتعددت الجوائز التى حصل عليها يوسا، ومن أشهرها حصوله على جائزة «ثيربانتس للآداب» عام 1994م، والتى تعد أهم جائزة للآداب الناطقة بالإسبانية.  

وبالنظر إلى أعمال يوسا الإبداعية نرى أنه أبدع فى العديد من الألوان الأدبية منها البوليسى والسياسى والرومانسي.

كما نرى فى روايته «دفاتر دون ريغوبيرتو» التى تعتبر الجزء الثانى من روايته الأشهر «امتداح الخالة»، والتى أثارت جدل كبير فور صدورها  عام 1988 لأنها تتناول قصة طفل يحب زوجة خاله، حيث تناول قصة دون ريغوبيرتو الذى يرى النقاد أنها تشبهه لحد كبير شخصية يوسا وأفكاره فى العديد من الموضوعات منها السياسة والفن والنساء والجنس.

كذلك رواية «رسالة إلى روائى شاب» حيث قصد يوسا أن يقدم خلاصة قراءاته وتجاربه مع القراءة وأفضل الكتب التى أثرت فيه وأسوئها.