الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«لرمنتوف»  أمير الشعر الروسى

«لرمنتوف» أمير الشعر الروسى

«وهكذا وقف الفارس الشجاع.. فى جفوة صغيرة بينه وبين صديقة.. عراك صغير.. ربما على فتاه فى القرية المجاورة أو بشأن كلمة اختلفا على معناها ، ربما من أجل الأسبقية على قبول دعوة لكأس شراب.. لكن ما حدث بالتأكيد أن ما تحدث عنه وما نقده وما صرخ من أجله لرمنتوف فى قصيدته التى كتبها عن بوشكين قد تكرر معه.. ولعل هذه كانت لعنة أميرى الشعر فى عصر كانت فيه الشرف كلمه زائفه ومضللة».. لعل هذه الكلمة التى اقتطعناها من حوار طويل لبوريس باسترناك عن أمير الشعر الروسى ميخايل لرمنتوف تعبر بكل صدق عن مأساة تكررت فى الأدب الروسى فى شخص أعظم الأدباء الروسى على الأطلاق وبالتحديد بوشكين، والذى يوصف بأنه أعظم شعراء روسيا على الأطلاق فى الفترة القيصرية ثم من بعده أمير الشعر الروسى لرمنتوف وهذه المأساة هى أن كليهما قتلا فى حوادث شبيه فى مبارزات حرة ولعلنا قبل أن نخوض فى حديثنا عن لرمنتوف علينا أن نعرض لخلفية لا يعرفها الكثيرين عن هذه الفترة والتى سادت كل القرن التاسع عشر وبضع سنوات فى القرن العشرين وهى عادة المبارزة الحرة بالسلاح النارى، وهى امتداد طبيعى للمبارزة الحرة بالسيف الخفيف – الشيش – وهذه العادة سادت معظم أقاليم أوربا والبلقان وكانت واسعة الحدوث بحيث لم يجرمها القانون السائد آنذاك (الفرنسى والأنجلوسكسوني) بل على العكس وضع لها نصا فى القانون يبيحها فى أطار أن المبارزة الحرة بقبول الطرفين فى وجود شهود من أجل الشرف مشروعة تماما، وهذا ما أساء أستخدامه معظم الطبقات العليا فى المجتمع الأوربى حتى أنه أصبح إحدى الآفات التى راح ضحيتها العديد والعديد من خيرة شباب ورجال المجتمع الأوربى، ولابد أن نعرف أيضا أن المبارزة الحرة دفاعا عن الشرف أضحت ركنا كبيرا فى ضمير الأدب الأوربى مما يشى بأنها كانت أكثر من واقعة عابرة بل كانت عاده يومية تحدث فى كل مكان دون أدنى حسرة حتى أصبحت أحيانا تشكل العقدة الرئيسية فى أعمال أدبية وفنية كثيرة فمثلا على سبيل المثال لا الحصر نجد أن أوبرا – كفاليريا روستيكانا – أو الشرف الريفى لبيترو ماسكانى والتى تتحدث عن مبارزة بين رجل عابث وزوج يغار على شرفه تنتهى بفقد وحزن، والحقيقة أن مسألة المبارزة والشرف التى قتلت العديد من النابهين فى أوربا هى تطور لعدة عادات كانت أوربا تعتز بها فى العصور السابقة لكن حينما أصبح الشرف كلمه مطاطة تسع أشياء كثيرة فأن المبارزات الحرة أصبحت فرية سوداء وأكذوبة لتصفية المنافسين والأعداء بل لقد أستغلها الساسة فى تصفية المعارضين وأصبح هناك قائمة طويلة من ضحايا الشرف السياسى والذى هو فى باطنه تصفية للمعارضة دون أى عقوبة قانونية، والحقيقة أن ما حدث لميخايل لرمنتوف أمير الشعر الروسى هو شيء شبيه بذلك فلقد تسائل قبل ذلك العديد من الآدباء والنقاد ومن بينهم إيمانويل كازاكافيتش الذى كان يقول – كيف تتحول صداقة كبيرة لسنوات فى لحظة واحدة لشجار يفضى للقتل؟ - وبالطبع المقصود هنا أن لرمنتوف قتل بيد أعز أصدقائه فى مبارزة نشبت على أثر شجار مفاجئ ويحاول أن يخمن كازاكافيتش أن هناك امر ما حدث لتأليب الأصدقاء ضد بعضهم البعض وبل ويسير ويمضى لأبعد من ذلك فيلمح بأن هناك شبهة سياسية فى الموضوع والكثيرين يميلون لهذا الرأى وخصوصا فى الحقبة اللينينية التى أججت كل الكره الكامن ضد حقبة القياصرة وربما جعلت من كل قتيل فى التاريخ ضحية للقيصر – كما قال غوركى مازحا فى عهد لينين – لكن بالطبع هناك سر فى الواقعة حتى وأن كانت الشبه السياسية غير واردة فنحن لا نتحدث عن موريسون مغنى فريق دورز الذى قتله صديقة تحت تأثير المخدر فى القرن العشرين بل نحن نتحدث عن النصف الأول للقرن ال19 بحيث كانت الصداقة قيمة كبيرة لايمكن تجاوزها بهذه السهولة ومن ثم فنحن مع رأى كازاكافيتش فى أن هناك شيء غامض فى مقتل لرمنتوف .



ربما لا نتستبعد أن يكون هناك شبهة سياسية فى مقتل لرمنتوف لعدة أسباب أهمها أن قصيدة - النبى – التى كتبها عن الكسندر بوشكين قد لاقت صدى واسعا بين الجماهير فى روسيا ولم تعجب القيادات والقيصر نيقولاى الأول تحديدا مما أدى لنفية إلى القوقاز ولولا محاولات جدته التى كانت من طبقة النبلاء لم يكن ليعود مرة أخرى لمدينة سان بيترسبيرغ، ومن المعروف أن نيقولاى الأول كان يرى فيه فتى مشاغبا من طبقة النبلاء بل لعل حادثة مبارزته الحرة مع ابن السفير الفرنسى فى عام 1840 والتى كانت مدبرة تماما فلقد كان لميخايل لرمنتوف أعداء خفيين فى السلك العسكرى وبين النبلاء؛ لأن شهرته وخصوصا فى المجتمع الأرستوقراطى كفارس شجاع وشاعر أى من أرباب السيف والقلم كان شهرته حديث المجتمع الأرستقراطى والشعبى على السواء مما جعل حساده يتزايدون ومن ثم وبإيعاز من أحد الضباط – يشار اليه أحيانا باسم حركى وهو بلودوفيسكى الأسود - تم تدبير مؤامرة دفع من خلالها لرمنتوف لمبارزة ابن السفير الفرنسى لكن السلطات تدخلت ومنعت كارثة محققة وقررت نفى لرمنتوف .

فى الغالب لقد أثارت قصيدة النبى التى كتبها لرمنتوف عن بوشكين لأنها أنتقدت المجتمع المحيط بألكسندر بوشكين بشدة، وهو نفس المجتمع الذى كان يعيش فيه لرمنتوف مع الأسف بل ونفس الطبقة ومع الفارق أن أصول بوشكين كانت حبشية، وكان ذلك يبدو فيه شفتيه الغليظة وبشرته الداكنه بعض الشيء وشعرة الأجعد ومع أنه كان من أصول أفريقية تعود لأمه إلا أنه كان مقربا لمجتمع القيصر والصفوه بشكل أثار ضده الأحقاد أيضا حتى أن ديستويفسكى الروائى الروسى الأشهر يقول - أن بوشكين ولرمنتوف كان لهم للأسف نفس الخطيئة، والتى ألبت ضدهم مجتمعا بأكمله.. ويلا العجب كانت خطيئتهم النبوغ والرجولة – وكلمة ديستوفيسكى هذا تقدم لنا ملخصا ومقارنه عادله بين بوشكين ولرمنتوف، وعلى الرغم من أن لرمنتوف أنتقد ما حدث فى واقعة المبارزة التى أودى بحياة بوشكين إلا أنه وقع فى نفس الفخ الذى نصبة الحاسدون له كما فعلوا قبل ذلك مع بوشيكن.