
صبحى شبانة
عالم ما بعد «كورونا»
بدأ العالم يستفيق من صدمة جائحة وباء كورونا التى داهمته دون سابق إنذار، أربعة أشهر كانت كافية لتصويب مسارات بوصلة الاتجاه مرة أخرى، والعودة سريعا إلى خيار استمرارية دوران دواليب الحياة بكل أدواتها، وعنفوانها فعالم اليوم لا يتحمل السكون ولا يمكن له بالضرورة أن يتحمل تبعات توقف دوران عجلة الإنتاج التى تمده وتغذيه بأسباب الحياة، والعيش الكريم، فبرغم تزايد أعداد الإصابات بفيروس كورونا التى تخطت حاجز المليونين حول العالم، إلا أن أعداد البطالة تزايدت بوتيرة أعلى إذ تجاوزت عشرة أضعاف إصابات كورونا طبقا لإحصائيات منظمة العمل الدولية.
الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا التى ضربها الفيروس دون رحمة، وأنهكها الوباء قررت البدء فى العودة مجددا إلى الحياة الطبيعية لأنها أدركت ان صرخات الملايين من الجوعى أعلى وأشد من تأوهات مرضى كورونا، كثيرة هى الأوبئة التى ضربت البشرية طيلة التاريخ الإنسانى لكنها لم تقض عليه، أو توقف حركة الزمن أو ديمومة الحياة، فالنظرية الكونية هى أن يعمل الانسان كى يبقى سليما معافا، وبالتالى حيا، فالبطالة تعنى الموت البطيء، وهو أشد ألما وأكثر ضراوة ومرارة.
الحكومة المصرية أبلت بلاء حسنا فى الحد من الوباء، واستطاعت بمهارة وحنكة فى أن تطوع وتفرمل جائحة كورونا، التى لولا الإجراءات التى اتخذتها الدولة لفتكت بقطاع عريض من المصريين لايزال بعضا منهم يستهينون ب «كورونا» التى لفت عواصم عالمية كانت عامرة بالسكون التام، وحولتها من مدن مأهولة إلى ما يشبه الصحارى المقفرة الخالية من الحياة. برغم أن كورونا حملت العديد من السلبيات على الفرد والدولة، إلا أنها أسهمت بلا شك فى تسريع عملية التحول الرقمى والتكنولوجى فى مصر، فعملية التحول الذكى أصبحت ضرورة لا غنى عنها لتيسير سبل الحياة، وأصبح الإنترنت هو قاطرة الحياة فى الحاضر والمستقبل، إن مرحلة ما قبل كورونا لن تكون كما بعده، وعلينا أن نتهيأ جميعا لذلك، حتى لا يتجاوزنا التاريخ، حتما سوف تختلف نظم الإدارة والعمل والتعليم والحياة وكذلك المخاطر والتهديدات، نحن أمام عالم جديد يتشكل بنواميسه وقوانينه وآلياته، لقد أحدثت كورونا ثورة جديدة فى التاريخ البشرى لا تقل أبدا عما أحدثته الثورة الصناعية وتوابعها، علينا أن ندرك طبيعة المرحلة ونعى تداعياتها على المستقبل، لذا لابد للدولة أن تدعم وبقوة تبنى نموذج التعليم والعمل عن بعد، حتى بعد انتهاء الوباء، مع إعادة النظر فى السلبيات، وتقييمها وتطويرها بصورة أفضل، وذلك بسبب ما حققه من مزايا متعددة، تضمن توفير الوقت والجهد والكلفة، وهنا يجب الإشادة بوزير التربية والتعليم، والتعليم الفنى الدكتور طارق شوقى الذى تحمل هجوما قاسيا وضاريا طيلة السنوات الماضية من المتكلسين الذين هاجموه بضراوة على رؤيته التى انصفتها كورونا.