السبت 5 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
كورونا فوبيا

كورونا فوبيا

يبدو أن الأرض تنتقم لشىء ما حدث فى زماننا نجهله، كل شىء فينا ومن حولنا قد تغير، حتى شمس الرياض  التى كانت تلفحنا فى هذا الوقت من العام تخلفت عن موعدها وتخلت عنا، ويكأنها  فى عناد ، ولكن عناد مع من؟ ، نحن أضعف من أن ندخل فى عناد مع أى من المخلوقات التى نعرفها أو لا نعرفها ،أحيانا نتحدى ونكابر،  لكن ما نلبث أن نقر بعجزنا أمام ملكوت نجهل معظم ما فيه،  الحجر الذاتى سلمنا إلى هلاوس نبيت معها ونصحو عليها، الكورونا تحاصرنا فى كل مكان، تحيط بنا من كل الزوايا والأركان، شعور خفى  يطاردنا هو أن هذا الفيروس اللعين ربما يكون قد تسلل إلينا من خلف النوافذ مع نسمات الصباح، أو مع شعاع  الشمس الخجول، أو مع عامل النظافة، أو ربما فى  أكياس المشتريات التى تمر فى المنزل بمراحل من التعقيم والتطهير والغليان قبل أن تدخل الثلاجة.



ستة أسابيع مرت وأنا فى حجر ذاتى فرضته طوعا على نفسي، ومع ذلك لم أسلم مـــن تصـــورات وتهيؤات وتخيـــلات مؤلمـــة، قـــد تفـــوق الوباء نفســـه، حتى أنى أحيانا أتمنى أن أكون ممن مر عليهم كورونا بسلام دون أن يشعروا به لكى أخرج من حالة الكورونا فوبيا ، المؤكد أن كثيرين مثلى عانوا أو يعانون منها، مشكلتى أننى ممن لا يخلدون الى النوم، ويدمنون السهر، لكن للأسف لا أجد فى فضائيات  السهر سوى برنامج الحكاية الذى يقدمه عمرو أديب الذى هو أقرب إلى المونولج منه إلى الإعلام، أو برنامج التاسعة لوائل الإبراشى الذى يرى الدنيا من زاوية واحدة بائسة تزيدك بالإحباط وتعمق فيك الكورونا فوبيا أكثر، أليس فى الإعلام المصرى نماذج مختلفة تقدم لنا إعلاما راقيا هادفا بدلا من الزعيق والنعيق والتيئيس، المرحلة المقبلة تستلزم إعلاميين جددا يمتلكون من الخبرة والحنكة والذكاء، الإعلام هو قاطرة المستقبل حتى نهاية التاريخ.

مع العزل الإجبارى الذى فرضته إجراءات الحظر الشامل، أصبح الخروج إلى الشارع حلما، والتريض على الرصيف أملا، والخروج للتسوق بعيد المنال، فيروس كورونا المتناهى الصغر أخذ الجنس البشرى فى دورة كونية «عكس الاتجاه» لا نعلم مبتدأها ومنتهاها،  الفيروس وضع الإنسانية أمام نفسها علها  تراجع جموحها وتهورها وتجاوزها، صراع محتدم بين الإنسان بعقله وعلمه،  وبين فيروس ذكى  يتحور كل عقد من الزمن،  يرتكز على قاعدته التى يطلق عليها أهل الاختصاص «مجموعة كورونا» التى أطاحت بالملايين من البشر عبر التاريخ فى مواعيد وتوقيتات محددة، فشل الإنسان حتى الآن رغم تقدمه العلمى فى مواجهتها والقضاء عليها أو الحد من خطورتها. 

حالة من الهيستيريا توشك على النهاية، لكنها وبكل أسف قد تفرض على البعض الذين خرجوا من مصحات العزل وغيرهم  إلى الدخول فى مصحات نفسية، كورونا فوبيا لن تنتهى بمجرد انتهاء الوباء لكنها سوف تستمر معنا ردحا من الزمن بتداعياتها و هلاوسها وإرهاصاتها، لن يسلم أحد منها سواء  كان ذلك اعتلالا  جسديا أو نفسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو إنسانيا، السؤال الذى يطرح نفسه بعد كل هذه المعاناة ،  هل أدركت الإنسانية كم هى ضعيفة أمام فيروس  ضئيل اقتحمها بشراسة، وهاجمها بجرأة وعنف ؟، أم أن  الإنسان هو الإنسان،،،  لعله يدرك أن القادم أخطر وأن كورونا القادم أفتك، ويتحسب لذلك بإنهاء الصراعات البينية،  ويتوحد لمواجهة العدو القادم الذى يتحور فى جيل قادم ربما يكون أخطر وأفتك.