
صبحى شبانة
رمضان فى زمن الكورونا
رمضان هذا العام خارج المألوف، حتما لن يكون مثل سوابقه، الإجراءات الاحترازية والتدابير الاستثنائية غيرت من العادات والمظاهر التى تواكب الشهر الكريم، الخوف من فيروس كورونا خيم على كل شيء، حد من البهجة التى كانت تصاحبه، الخوف من الوباء المجهول هو القوة الحقيقية التى ألزمت الناس بيوتهم.
شهر رمضان جاء ليقشع الحزن والقلق واليأس من النفوس، أتى رمضان متزامنا مع زخات الامل فى بوادر انحسار الوباء التى تأتى من الداخل الذى يتعافى، ومن الخارج المثخن بالألم، والذى لم يفرغ بعد من دفن موتاه، لكنه متشبث بالحياة، يتهيأ لاستعادة عافيته، يستعيد قواه، ويلملم عناصر قوته المفقودة فى المصانع والمتاجر والمحاجر، الحياة تستحق شرف المحاولة، الإنسان دائمًا قادر على الوقوف مجددًا، وليس كما روج الفيلسوف اليونانى هرقليطس «لا يهبط الإنسان فى نفس النهر مرتين أبدًا»، فالموتى فقط هم غير القادرين على تحدى الانكسار، وعدم القدرة على المحاولة مجددًا.
نعم روح رمضان كانت فى المساجد الساهرة، والمآذن الشامخة، وفى قرآن التراويح الذى كان يزلزل القلوب المتحجرة، لكن عزاءنا أن البيوت سوف تتحول إلى منصات للإشعاع الروحي، والوئام الأسري، متلازمة رمضان، والحجر المنزلي، والسهر فى ليالى رمضان ستعطى للحياة العائلية معنى وزخمًا، وهذه تضاف الى إيجابيات كورونا التى منها الوعى الذى أظهره قطاع عريض من الشعب المصرى الذى دعم الإجراءات الحكومية، وأسهم فى الحد من انتشار هذا الوباء الذى لا يعرف العالم عنه شيئًا حتى الآن، وكما قال الشاعر الروسى ألكسندر بوب، قليل من المعرفة شيء خطير، فما بالنا والعالم لا يعرف الكثير عن هذا الطارئ المجهول الذى غير وبدل حياة المليارات حول العالم، وأطاح بخطط تنموية كانت واعدة، ودفع العالم دفعًا إلى كساد عظيم، طفحت ملامحه فى الانخفاض الحاد فى أسواق النفط الاثنين الماضي.
وعلى ذكر إيجابيات كورونا رغم ندرتها وسط هذا الركام من السلبيات أن الدول والشعوب أدركت أهمية الجيش الأبيض بكل فئاته الذين تصدوا بجسارة لهذا الفيروس القاتل، كما أدركت أهمية التعليم عن بعد، وضرورة الاستثمار فى البنية التحتية لتطوير قطاع الاتصالات، وضرورة تعميق مفهوم المسئولية الاجتماعية فهو لا يزال غائب عن وعى رجال الأعمال عن عمد، وربما عن طناش، فى المقابل تراجعت قطاعات عديدة كانت لامعة، ليتها تراجع نفسها ومواقفها لأن ما قبل كورونا لن يكون أبدًا كما بعدها، فالحياة ليست قاطرة تتحرك بين خطين متوازيين فى اتجاه واحد. رمضان فرصة لمواجهة كورونا بالصيام، صوموا تصحوا، فبالجوع تنتعش المناعة وتقوى، وهذه فى رأى الأطباء هى الترياق الوحيد الشافى حتى اكتشاف اللقاح، شهر الخير فرصة لالتقاط الأنفاس والعودة إلى الذات، والتعرف عليها أكثر بعد فقدانها فى زحمة العمل، والدوران فى حلقة لانهائية بوتيرة متسارعة فرضتها طبيعة العصر وظروف الحياة.