
صبحى شبانة
لا شىء يعدل الوطن
شكلت مصر عبر التاريخ لدى أبنائها أو حتى من مروا بها حالة خالدة وفريدة تغنى بها الزمن، وحملتها الأيام نرويها جيلا بعد جيل، هى ايقونة الأرض وقيثارة السماء، بذكر اسمها تلمع العيون، وتتهلل الاسارير، وتنبسط الافئدة، هى المعنى الجامع لكل أبنائها على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم، البعد عنها عذاب وألم وشوق والتياع، فلا شىء يعدل الوطن كما قال أمير الشعراء أحمد شوقى.
يجسد مشهد عودة أفواج المصريين من الخارج الى ارض الوطن حالة من العشق والحميمية لا تتكرر، تعد استثناء بين الشعوب، فالغربة لدى المصرى حالة مؤقتة مهما طالت، والرحلة فى أعرافه لابد لها من نهاية، يختمها بقبلة يطبعها على ارض المطار الذى يرى فيه جبين الوطن، المصريون من بين كل شعوب الدنيا يحملون فى جوانحهم ذكريات الطفولة وأيام الصبا، يتلمسون بها طرق العودة والرجوع مهما طال السفر، المصريون فى الخارج يخطون على جدران الغربة قصيدة الشاعر فوزى العنتيل، أنا لست انسى قريتى وهوى الربيع يزورها، هى ذكريات لم تزل محفورة فى خاطرى، أنا عائد يوما إليك مع الربيع الزاخر، فى نسمة الشمس المضيئة.
خطط العودة إلى حضن الوطن يرسمها المصريون فى دواخلهم قبل بدء رحلة السفر، يحتفظون بها أحجية فى جيوب حقائبهم، أحلام العودة الى هوى الريف أو إلى جاذبية المدن أو حتى ضجيجها مرسومة على جدران مطارات العالم، فى المساجد، والمزارع، والمصانع، والمطاعم، فى جادات روما وميلانو وباريس ومدريد وفرانكفورت وإثينا، وأزقة نيويورك ولوس إنجلوس، فى شوارع الرياض ومكة والمدينة والدمام، والكويت ودبى والمنامة ومسقط، فى كل فاصلة بين سطور الزمن وجدت بصمات المصرى هناك، فى كل مدن العالم التى حللت بها وما أكثرها ترك المصرى أثرا وسيرة ومحبة وعلما وفنا.
يقينا أعلم ان الدولة المصرية بكل أجهزتها فى الداخل والخارج لم ولن تقصر، وتسهر على راحة المصريين، جموع المصريون فى الخارج يشدون على ايدى الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يواجه بصلابة وصلادة وحسم إرهاب الإخوان وفيروس كورونا فكلاهما وباء، يجب القضاء عليه والخلاص منه، يقينا الرئيس يدرك أن الوطن والمواطن كيان واحد لا ينفصل، فمهما باعدت بينهما الأيام والمسافات فالعودة حتمية، وجسر العودة موصول وممتد، ومصر عبر التاريخ فتحت أبوابها للجميع أبناء وغرباء.
لا أحد يمن على مصر، ولا ينبغى لأحد، فمصر فوق الجميع، وعلى الجميع أن يرتقى إلى مستوى اللحظة الراهنة التى تعانى فيها مصر من تداعيات آثار جائحة كورونا، كما تعانى معظم دول العالم، الأكبر اقتصادا والأكثر تطورا، منذ اللحظة الأولى كانت مصر على مستوى الجائحة، وجاءت توجيهات الرئيس للحكومة سريعة ومباشرة وحاسمة بضرورة مواجهة تداعيات جائحة كورونا فى الداخل، والعمل على تلبية رغبات مصريو الخارج فى العودة إلى حضن الوطن لمن شاء منهم مهما كان الثمن، ولم تقصر الدولة أو الحكومة، وجندت كل إمكانياتها وطاقاتها وخدماتها اللوجستية، وشرعت أبواب المدن الجامعية والفنادق أمام الجميع، أمام هذا الزحف العائد من الخارج قد تظهر بعض السلبيات التى تتلقف صورها قنوات العار والإخوان لتوجه بذاءاتها الى مصر حكومة وشعبا، العالم كله يمر بجائحة عصفت باستقراره وإمكانياته ومصر ليست استثناء من هذا العالم، المصريون فى الخارج كانت لهم على الدوام مواقف وطنية فى الانحياز للدولة المصرية، فلا تسمحوا للقلة المعروفين باتجاهاتهم المناوئة لكل ما هو وطنى أن تسيء إليكم وإلى الدولة المصرية التى تتعافى بشق الانفس، وتعيد بناء هياكلها واقتصاداتها فى الوقت الذى تحارب فيه الإرهاب والفقر وسيل الاشاعات التى تستهدف الهدم والتدمير والتخريب، على المصريون فى الخارج أن يكونوا أداة بناء لا أداة هدم، الدول تعلو وترتفع هاماتها بسواعد أبنائها، ويعلو بنيانها على أكتاف المخلصين من أجيالها، مصر شامخة بمواطنيها فى الداخل وأكبادها فى الخارج، لا فرق جميعهم مواطنون تحن إليهم مصر، وتربت على أكتافهم، وتذرف الدمع حنينا على من غاب، وفرحا بمن حضر.