الجمعة 5 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
 تجديد الفكر القانونى

تجديد الفكر القانونى

القانون فى أبسط تعريف له؛ هو«القواعد التى تنظم العلاقات فى المجتمع، ويحدد جزاء مخالفتها»، فلا يوجد قانون بلا مجتمع، كما أنه ليس هناك مجتمع دون قوانين تحكمه، وتتطور تلك القوانين وتتجدد بتطور وتجدد ظروف المجتمع وعلاقات المخاطبين بأحكامه، لأنه يعكس حاجة أفراد المجتمع للتنظيم وفق تطور علاقاتهم المتغيرة بين حين وآخر، ويعد القانون مرآة كل دولة ورمز سيادتها، وتقاس حضارة الأمم بمدى احترامها لأحكام القانون، والقاسم المشترك فى كافة مراحل التجديد هومدى ما يحققه القانون من (عدالة)، وما يترجمه من أعراف المجتمع، الذى يقبل بتطبيقه – بداءة - طواعية واختيارًا، ومالا.. فبالتنفيذ الجبري. 



 وقد تعددت فى مصر كثير من الفعاليات - ومنذ سنوات – تحمل مبادرات متتالية لتجديد الخطاب الدينى تارة، وتجديد الخطاب الثقافى تارة أخرى، دون الدعوة لتجديد (الفكر) وليس (الخطاب)، لأن الخطاب هوانعكاس طبيعى للفكر، فالوطنية، والوسطية، وتقديس الدولة، وسيادة القانون، هذه أفكار مهمة للحياة على أرض الكنانة، وهذه هى محاور التجديد، ثم يأتى دور الخطاب، ليصيغ هذا الفكر فى منتج دينى أوثقافى أوما شاكله.  ومن ثم، فإن هناك فرقًا بين تجديد «الفكر القانونى» وبين تعديل «نصوص القانون»؛ ذلك أن النصوص هى وعاء الفكر، ومن ثم يتم تعديل النصوص القانونية وفق «تجديد» الفكر القانونى، وذلك كلما اقتضت حاجة المجتمع لهذا التجديد، وهذه الحاجة تتطور وتتعدد مع تطور وتعدد هوية الدولة وفلسفاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ماحدث مثلا فى أعقاب ثورة 23 يوليو1952، والتى تجدد فيها الفكر القانونى من الرأسمالية إلى الاشتراكية وما استتبعها من حتمية تعديل القوانين التى تعكس هذا التجديد، فتم تعطيل دستور 1923، وصدرت حزمة قوانين وقرارات تستجيب لتجديد الفكر القانونى القائم بعد الثورة. وباستقراء الفكر القانونى فى مصر، يبين أن هذا الفكر فى حاجة ماسة وملحة وضرورية لإعادة النظر، فى روية وتؤدة وهدوء، فى ظل مناخ دستورى وسياسى واجتماعى مستقر سيما بعد ثورة 30 يونيو2013 المجيدة وصدور دستور عام 2014 وتعديلاته عام 2019. ومن أمثلة هذه الضرورة – مثالا لا حصرا - قانون تحريم التسول الذى صدر منذ عام 1933، ولم يطله ثمة تعديل رغم تعدد وتطور أساليب ووسائل التسول سيما فى عصر التكنولوجيا الرقمية ولكنها لم تثر انتباه المشرع رغم مرور تلك السنوات، فى حين حكمت العلاقة بين المالك والمستأجر عدة قوانين متعاقبة، وأصبحت هناك نصوص متنوعة – وقد تكون متباينة – لقوانين الإيجار، تم تقسيمها زمنيًا وفق وقت صدور كل قانون، وما ارتآه المشرع أصلح فى تطبيقه، ولكنه فى الوقت ذاته قد لا يحقق العدالة المنشودة فى المراكز القانونية لذات الطرف (مالكًا كان أم مستأجرًا)، والذى يخضع لنصوصه دون إرادة، وهوما قد يتسبب فى إثارة قضايا ولدد فى خصومات قضائية يستمر نظرها فى المحاكم لسنوات طويلة، تتوارثها الأجيال. وترتيبًا على ما تقدم، تبدوالحاجة إلى ملاءمة إعادة النظر فى المنظومة القانونية برمتها فى مصر، بحيث يتم تقسيم وتصنيف القوانين فى موضوعاتها، ومدى حاجتها لتجديد الفكر القانونى تجاهها، وما يستتبعه ذلك يقينًا من مشاركة مجتمعية واسعة النطاق، تتوازى مع رصد علمى دقيق نابع من تطور العلاقات الحاكمة لها، على غرار ما حدث فى قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999،حيث تشكلت لجان علمية وتشريعية نوعية متخصصة، من أساتذة جامعات وقضاة ومشرعين وغيرهم، وقد ناقشت - على مدار سنوات - مظاهر هذا التطور وآلياته العملية فصدر القانون يعكس – فى كثير من نصوصه – تطور حاجات المجتمع التجارى والاقتصادى، فأصبح قانونًا أنموذجيًا استجاب لتطور الفكر القانونى، وتمت صياغته فى نصوص قابلة للتطبيق. وأعتقد أن هذه ليست مهمة البرلمان بمفرده – على الأقل فى المراحل الأولى – بل مهمة الجامعات والمراكز البحثية والأكاديميات العلمية ورجال القضاء والتشريع، بالعكوف على مدارسة هذا الواقع وتجميعه وتبويبه وصولا لمقترحات تعرض على صناع القرار. وبالقانون تحيا مصر