الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
آليات تجديد الفكر القانونى

آليات تجديد الفكر القانونى

هذا هو المقال الثالث والأخير حول دعوتى إلى مبادرة وطنية لإعداد استراتيجية عملية محددة لتجديد الفكر القانونى وتحديد آليات تنفيذها لمصرنا الغالية، وقد عرضنا فى المقالين السابقين لمفاهيمها ومحاورها، ونستكمل فى هذا المقال آليات تجديد الفكر القانونى، والتى يمكن أن نختار لها شعار (جدد تشريعاتك).  



فالتشريع هو مجموعة القواعد القانونية التى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع الواحد داخل الدولة ويشمل الدستور والقوانين واللوائح على اختلاف مسمياتها وأنواعها وأدواتها التشريعية من دولة لأخرى.. والتشريع مرآة أى أمة يعكس مصادرها وأدوارها، ويقنن أعرافها وتقاليدها.. والتشريع كائن حى.. يولد.. وينمو.. ويحقق أهدافه ومراميه فى الحياة.. ثم لا يكاد.. يذبل.. ويهرم.. ويشيخ.. فبقاء التشريعات- عدا التشريعات السماوية- زمنًا طويلا أمر يقترب من الاستحالة.. فقوة التشريع الحقيقية ليست فى قدرته على الثبات والصمود، بل مدى مواءمته للمتغيرات المجتمعية- ومن ثم- استجابته لها، بما يعكس تلبية حاجة المخاطَبين بأحكامه، فالقاعدة القانونية تتسم بالعمومية والتجريد والحياد والإطلاق.

والمشرِّع عندما يبدأ فى معالجة موضوع ما.. يجب عليه أولا أن يحدد الأهداف التى ينوى تحقيقها، ثم الحق الذى يحتاج إلى الحماية أو الرعاية القانونية، وأخيرًا السياسة التشريعية التى فى نطاقها يرى تلك الأهداف وذلك الحق ، وفى مجال التمييز بين الصياغة التشريعية والسياسة التشريعية يأتى التمايز بينهما فى الإطار النظرى، فالصياغة هى التجسيد العملى للسياسة التشريعية المتبعة وإذا كانت السياسة هى الهدف الخفى الذى لا يبوح فيه، فإن للصياغة مقوماتها ومهاراتها المتمثلة بمهارات وقدرات لغوية وقانونية تمكِّن الصائغ من نسج أحكام تعبِّر عن معنى النص وغاياته دون لبس أو غموض. 

وأعتقد أن تجديد الفكر القانونى هذا هو القاطرة التى تقود مختلف جوانب التجديد السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى والدينى التى تجتازها مصر فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخها، ومن ثم، أرى إنشاء مجلس رئاسى استشارى لتجديد الفكر القانونى برئاسة أحد كبار القضاة الدستوريين السابقين ويضم أساتذة جامعيين وقضاة وبرلمانيين وشخصيات عامة وطنية ودولية معنية ومتخصصة فى صناعة التشريعات، لتجسيد رؤى التجديد إلى واقع فعلى وتحقيق غايات تجديد الفكر القانونى، ويصدر بهذا المجلس قرار جمهورى يحدد تبعيته لرئاسة الجمهورية – مثل المجالس الرئاسية التخصصية السابقة -، ويبين أهدافه، واختصاصاته، مع تعاون ذلك المجلس مع جميع مؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية والمنظمات والهيئات الدولية المرتبطة بمجالات عمله، وتتطور مهام لمجلس لتصبح آلية دائمة لاستشارتها فى التشريعات على اختلاف أنواعها ويصبح (ترمومتر) المجتمع لتشريعات مواكبة لحركته ومسيرته الحياتية. 

ومع تقديرنا الكامل لجميع الجهود الدستورية الأخيرة التى أسفرت عن وثيقة دستورية معدِّلة لدستور 2012، أُطلق عليها – مجازًا – دستور 2014، وتعديلاته الجوهرية عام 2019، بلغت نصوصه 254 مادة، إلا أننى أرى ضرورة التوافق على دستور جديد لمصر تتم صناعته فى ظروف طبيعية مستقرة  نعيشها بالفعل فى تلك الفترة من تاريخ مصر، وقيادة البلاد برئيس وطنى مخلص حتى النخاع يقدس الوطن ويحترم المواطن، وتتم صياغة الدستور الجديد فى نصوص إطارية وموجزة ومحددة، ثم تتوالى جميع القوانين واللوائح للتجديد المنشود، سواء بالإلغاء أو التعديل أو الاستحداث، فيكون حصاد التجديد فكرًا قانونيًا يعبر عن الهوية الوطنية المصرية المدنية.  

ولما كان الدستور هو من صنع الشعب وهو كذلك ملك للشعب، فإن المشاركة الشعبية فى وضع الدستور تكون هى صمام الأمان لحسن تطبيقه وتنفيذه، فإننى أرى إطلاق حملة قومية متواصلة تتفاعل فيها جميع الاتجاهات والأطياف والقوى المصرية للنقاش والحوار تهدف إلى المشاركة الشعبية وتوعية المواطنين بمفردات الحد الأدنى – الكافى – للثقافة الدستورية، وذلك من خلال استطلاعات للرأى وحلقات نقاشية تقوم بها المؤسسات الحكومية والأحزاب السياسية والنقابات المهنية  ومنظمات المجتمع المدنى.. وغيرها، وذلك بهدف تحقيق قدر واف من التوافق الوطنى حول الأفكار الأساسية والرؤى العامة والقواعد الرئيسة، ثم يأتى دور أساطين الفقه والقضاء الدستورى، فى ضوء دراسات مقارنة مع الدساتير الأخرى، والتى سوف تؤدى إلى (صناعة) دستور جديد فى نصوص إطارية موجزة محدودة لدولة ديمقراطية مدنية حديثة.. تستحقه مصر العظيمة.. كنانة الله فى أرضه. وبالقانون تحيا مصر