الجمعة 5 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أحكام الدستورية.. والتحديث التشريعى

أحكام الدستورية.. والتحديث التشريعى

مصادفة نادرًا ما تحدث بهذه السرعة، ويتحقق بها أنموذج عملى لما طالبتُ به فى مبادرتى باستراتيجية وطنية لتجديد الفكر القانونى والتى خصصتُ لها المقالات الثلاث السابقة، وتجسدت تلك المصادفة فيما ما قضت به المحكمة الدستورية العليا بجلستها المعقودة السبت الماضى 4 من يونيو2020 برئاسة معالى المستشار الجليل سعيد مرعى، وذلك بحكمها الصادر بعدم دستورية ما تضمنه عجز نص المادة (276) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، من قصر الدليل الذى يُقبل ويكون حجة على المتهم فى جريمة الزنا على حالة وجوده فى منزل مسلم، وكانت هذه المادة تنص على أن :» الأدلة التى تُقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هى القبض عليه حين تلبسه بالفعل أواعترافه أو وجود مكاتيب أوأوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده فى منزل مسلم فى المحل المخصص للحريم»،وأصل هذا النص هوالمادة (238) :  من قانون العقوبات الأهلى رقم 3 الصادر عام 1904!! بنصها على أن : «الأدلة التى تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هى القبض عليه حين تلبسه بالفعل أواعترافه أو وجود مكاتيب أوأوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده فى منزل مسلم فى المحل المخصص للحريم»، وهذا القانون كانت تطبقه المحاكم المختلطة فى مصر قبل عام 1937، وتم نقله (حرفيًا) فى قانون العقوبات الحالي، فالشاهد فى هذا أن النص ظل مطبقًا دون تحديث لواقع المجتمع المصرى الذى ألغيت فيه المحاكم المحتلطة بمعاهدة مونتر والتى تم توقيعها فى 8 مايو1937، ودخلت حيز التنفيذ فى 15 أكتوبر من العام ذاته، فالنص – والحال كذلك – يعد مجافيًا للواقع المجتمعى الذى لا يوجد فيه فارق بين منزل المسلم وغير المسلم، ولا يوجد فيه مكان مخصص للحريم !! وهوما عبرت عنه المحكمة فى حكمها بقولها أن :» تمييز منزل المسلم عن منزل غير المسلم، فى هذه الحالة، هو تمييز قائم على أساس الدين، دون مبرر موضوعى لهذه المفارقة «، وأضافت المحكمة أن :» الدستور قد حظر على نحو جازم كل صور التمييز بين المواطنين، وخص من بينها التمييز بسبب الدين، أوالعقيدة، لما لهذه الصورة أوتلك من أهمية عظمى تمثل إحدى القيم الجوهرية التى تؤمن بها المجتمعات المتحضرة، وأن النص فى هذه الجزئية يخالف أحكام المواد (4، 53، 97) من الدستور «إلى هنا انتهى الاقتباس من حكم الدستورية والذى صرح به معالى المستشار الجليل حمدان فهمى نائب رئيس المحكمة ورئيس المكتب الفنى -الأمر الذى ندعومعه المشرع – بعد القضاء بعدم دستورية عجز نص المادة (276) من قانون العقوبات - أن يستطيل التعديل إلى المادة برمتها بل إلى القانون فى مجموعه، لتغير ظروف المجتمع وجرائمه وعقوباته فى السنوات الأخيرة، على نحولم يحدث عبر تاريخ البشرية. 



نعم أكرر المطالبة بالتحديث التشريعى العاجل،وتبدوأهمية هذا التحديث فى مجال التشريعات بكل أدواتها ودرجاتها وقوتها لأن تحقيق التقدم لا يحدث تلقائيا أوبمجرد الوقوف عند إطلاق الشعارات، وإنما القوة الدافعة لهذا التقدم هى إطلاق جميع الإمكانيات والملكات الخلاقة والمبدعة، وذلك على ما انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا فى قضائها فى الطعن رقم 7 لسنة 61 دستورية، ومن ثم فلا يوجد أى عائق دستورى يمنع من مراجعة التشريعات القائمة حتى تأتى متسقة مع تطلعات الأمة وآمالها، وأن تواكب حركة المجتمع بما فى ذلك بناء صروح البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبما يستلزم معه القضاء على هذه الغابة من التشريعات المتعددة فى المجال الواحد، والقضاء كذلك على تعدد وتضارب التشريعات المصرية مع بعضها البعض والتى أضحت فى مجملها مشكلة يصعب على كل من يعمل فى المجال القانونى أن يتابعها أويحقق الهدف من إصدارها.

وأحيي– بفخر واعتزاز- ثلاث قامات وطنية تشرفت بمناقشات مهمة دارت معهم واستفدتُ منها كثيرًا حول تلك المقالات خلال الأسابيع الماضية؛ هم كل من الفقيه الدستورى معالى المستشار الجليل الدكتور حنفى جبالى رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، وقاضى المشروعية الجهبز معالى المستشار الجليل يحيى عبدالمجيد أحد أهم قضاة ونواب رئيس والأمناء العامين لمجلس الدولة لسنوات طويلة، والوطنى حتى النخاع الكاتب الصحفى المرموق سعادة الأستاذ أحمد باشا رئيس تحرير جريدة روز اليوسف، وجميعهم من المصريين النبلاء الذين أسهموا ولا يزالون وسيظلوا فى بناء وتنمية الوعى للمواطن المصرى الأصيل. 

التحديث التشريعى ليس ترفًا أورفاهية بل واجبًا وطنيًا مقدسًا، على الجميع أن يبادر إليه بمساهماته وجهوده، لإدراك غايات وطنية كبرى للوطن والمواطن.  وبالقانون .. تحيا مصر،،