الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
حماية الحريات .. فى زمن الكورونا

حماية الحريات .. فى زمن الكورونا

شاركتُ مؤخرًا فى ندوة دولية عبر الفيديو كونفراس حول التعايش مع فيروس كورونا - كوفيد -19 فى ظل الإجراءات الاحترازية، والتى نظمتها مجلة القانون والأعمال بجامعة الحسن الأول بالمملكة المغربية، وقدمتُ ورقة بحثية بعنوان «الحماية الدستورية للحقوق والحريات.. وكيفية التعايش مع أزمة كورونا»، وهى التى اجتاحت العالم على حين غرة، وأعلنته منظمة الصحة العالمية « وباءً عالميًا».. ومن ثم فرضت على الحكومات والشعوب واقعًا جديداً لم يكن أحد مستعدًا له، وسط مشاعر عارمة بأن الإنسانية تواجه معركة بقاء لم تعرفها من قبل. 



بما اقتضى من كل دول العالم – تقريبًا - اتخاذ ثلة إجراءات احترازية استثنائية عاجلة لمواجهة حالة الطوارئ الصحية منها؛ فرض قيود على حركة انتقال المواطنين، وتعطيل العمل بالمحاكم، وتعطيل الدراسة بالجامعات والمدارس، وتعطيل العمل بالوزارات والهيئات الحكومية، وغلق الحوانيت والمولات والأندية، كلياً، أو جزئياً لمدة ساعات محددة، وحظر الاجتماعات والمواكب وغيرها من أشكال التجمعات، وإلزام القادمين من الخارج بالخضوع لإجراءات الحجر الصحي، وحظر تصدير بعض السلع والمنتجات، ووضع قيود على تداولها، وإلزام المستشفيات الخاصة لتقديم الرعاية الصحية للحالات المرضية المشتبه بإصابتها، وفرض الرقابة على أعمال المختبرات المعملية فى المواد البيولوجية، وتخصيص مقار من الأماكن المملوكة للدولة لتجهيزها كمستشفيات ميدانية مؤقتة وغيرها.   

وبالتالى طرحت تلك الإجراءات الاحترازية لمواجهة حالة الطوارئ الصحية العالمية عدة تساؤلات مهمة حول مدى توافق تلك الإجراءات الاحترازية مع الحماية القانونية المقررة للمواطنين والمقيمين للحقوق والحريات, وهل تمثل تلك الإجراءات (المؤقتة) ثمة انتهاك لتلك الحقوق والحريات؟ ومن ثم ماهو جزاء عدم الالتزام / أوتجاوز حدودها للأطراف؟ 

وقد قمت بتحليل وتفنيد النظام القانونى للحقوق والحريات العامة والذى يتألف - فى معظم الدول - من ثلاثة نصوص تشريعية، الأولى هى النصوص الدستورية التى ترسي مبادئ الحقوق والحريات العامة، وتقررها على نحو يكفل تمتع الأفراد بها من حيث المبدأ. والثانية هى النصوص القانونية التى تنفذ النصوص الدستورية وتكملها، وتتطابق معها فى مضمونها، وذلك بوضع بعض الإجراءات المنظمة لممارسة الأفراد لحرياتهم، وكفالة هذه الحريات فى حدودها المقررة دستوريًا. والثالثة هى النصوص التنفيذية، وهى التى تصدر عادة على شكل لوائح تنظيمية، أو تعليمات، أو قرارات رئاسية، أو أوامر ديوانية، أو أوامر وزارية، أو أوامر إدارية، حتى يتسنى للإدارة من تحقيق أغراض الضبط الإدارى لأدائها لوظيفتها، فتضع هذه الطائفة من اللوائح، وتفرض قيودا على ممارسة الأفراد لحرياتهم من أجل تحقيق النظام العام، والحفاظ على الصحة العامة، والسكينة العامة. 

وقد أصبحت التشريعات الدولية جزءًا  أساسيًا من النظام القانونى الداخلى لحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات والشعوب، لأن العديد من الدول قد أدرجت فى دساتيرها وقوانينها الوطنية نصوصا دولية، أٌخذت نصا أو روحا من ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين، بالإضافة إلى المواثيق والمعاهدات الدولية. وهذا ما يوضح فكرة توافق القواعد الوطنية المتعلقة بالنظام القانونى للحريات العامة مع طبيعة القانون الدولى لحقوق الإنسان، والقانون الدولى الإنسانى، ومؤخرًا اللوائح الدولية الصحية والتى أقرتها 196 دولة من خلال منظمة الصحة العالمية. 

وقد حاولتُ أن أجيب – فى عجالة - عن تلك التساؤلات التى طرحتها وذلك بالآتى: ( نعم تتوافق تلك الإجراءات مع الحماية، شريطة أن تتسم بالمواءمة والمناسبة وتحت رقابة القضاء) .. كذلك فإن (تلك الإجراءات لا تمثل ثمة انتهاك للحقوق والحريات .. مالم يتم تجاوز حدود مباشرتها، وفق ما تقتضيه الشرعية الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات الدستورية والقانونية) .. وعن الجزاءات فقد ذكرتُ أن هنالك عديدًا منها؛ (الجزاء الاجتماعى بالنبذ المجتمعى ونشر ثقافة الوعى بالقانون، والجزاء الاقتصادى بمنع المميزات المقررة للمواطنين الملتزمين عن غيرهم، والجزاء السياسى بحرمانه ولو مؤقتا من بعض حقوق الترشح مثلا أو الانتخاب، فضلا عن الجزاء الجنائى حينما تستطيل إلى جرائم). 

وفى نهاية مشاركتى أوصيتُ بنشر ثقافة الوعى بالدستور والقانون بهدف الاستعداد لمواجهة الأوبئة، ومراجعة المجتمع الدولى للوائح الصحية العالمية وفق آثار جائحة كورونا، كما طالبتُ بتعديل بعض نصوص الدساتير والقوانين  لتسمح بالإجراءات الاستثنائية لمواجهة الأوبئة.    وبالقانون تحيا مصر،،