الخميس 25 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
 الثورة.. واللغة.. والدستور

الثورة.. واللغة.. والدستور

تأملتُ كثيرًا فى تلك المفردات الثلاثة «الثورة.. واللغة.. والدستور».. سيما ونحن نحتقل فى ذات الشهر بذكرى ثورتين مصريتين.. الفارق الزمنى بينهما 61 سنة؛ الأولى ثورة 23 يوليو 1952، والثانية ثورة 30 يونيو 2013، وبيانها التاريخى فى 3 يوليو 2013، وما حمله بيان كلتيهما من لغة رصينة منضبطة.. وما ترتب عليهما من دستور حاكم للبلاد. 



وغنى عن البيان أن الثورة كمصطلح  «سياسى»  هى الخروج عن الوضع الراهن وتغييره، وقد وصف الفيلسوف الإغريقى «أرسطو»  شكلين من الثورات فى سياقات سياسية: الأول هو التغيير الكامل من دستور لآخر، والآخر فهو التعديل على دستور موجود.. واللغة هى وعاء الفكر، ودون اللغة لا يمكن للإنسان تشكيل هويته أو الدفاع عن موروثه الثقافى.. واللغة ليست كلمات تُتلى، ولكنها مرآة للتعبير عن الخصوصيات المختلفة للشعوب والمجتمعات البشرية.. أما الدستور فهو أسمى وأرفع وثيقة قانونية، ولذلك يطلق عليه «أبوالقوانين»؛ فهو الذى يحدد نظام الحكم فى «دولة» الدولة واختصاصات  «سلطة» سلطاتها، وهو الوثيقة التى تتقيد بها كل «قانون» القوانين الأدنى مرتبة فى الهرم التشريعى، وتكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة واردة فى الوثيقة الدستورية. 

لكل ذلك ينبغى أن يكون الدستور نمطًا شديد الخصوصية من أنماط الخطاب اللغوى، وحتى يكون الدستور موضع هيبة وإجماع، لا بد أن تولي اللغة التى تُعتمد فى كتابته عناية فائقة نظرًا لأن الغموض أو الإبهام يفتح الباب لتعدد القراءات والتأويلات، على نحو يجعل الوثيقة الدستورية مصدر خلاف دائم ، وفى جانب آخر، فإن اللغة تجسد الهوية الحضارية والثقافية والسياسية لشعب ما، فاللغة هى موطن التعبير والتجسيد الحضارى والثقافى للشعوب، وهى قوام النص وبيت الأفكار التى تستقر فى قلب الدستور فتكون نتاجاً لتطور طبيعى وتدريجى فى رحم بيئاتها الأصلية، ولا يستقر دستور الدولة إلا بتعديلها، أو إلغائها والعودة بالمفاهيم إلى بيئاتها الأصلية، ويعكس ذلك علاقة المودة والتفاعل بين الدستور واللغة.

وترتيبًا على كل ما تقدم، فلن ينسى المصريون بيان ثورة 23 يوليو 1952 بصوت البكباشى (المقدم) محمد أنور السادات – رحمه الله -، بمضامينه التقعيدية (أى التى تضع القواعد) بحقائق يشهد عليها الجميع، حين قال: «وإنى أؤكد للشعب المصرى أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن فى ظل الدستور مجردًا من أى غاية... وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف؛ لأن هذا ليس فى صالح مصر «.. وعقب إعلان البيان، أجبرت الثورة الملك على التنازل عن العرش لولى عهده الأمير أحمد فؤاد ومغادرة البلاد فى 26 يوليو 1952، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش، وكانت إدارة الأمور فى يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابطًا برئاسة اللواء محمد نجيب، كانوا هم قيادة تنظيم الضباط الأحرار، ثم ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية فى 18 يونيو 1953..  ثم تتابعت دساتير متعددة بعد الثورة حتى استقرت بدستور مصر عام 1971 وتعديلاته الثلاثة أعوام 1980 و 2005 و 2007.  ولن ينسى المصريون كذلك بيان 3 يوليو 2013 ، معلنًا نجاح ثورة يونيو 2013 ، والذى ألقاه الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع وقتئذ، مقررًا حقائق ثابتة دامغة، قائلًا:

«تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة بعرض موقف استراتيجى على المستوى الداخلى والخارجى تضمن أهم التحديات والمخاطر التى تواجه الوطن على المستوى الأمنى والاقتصادى والسياسى والاجتماعى، ورؤية القوات المسلحة بوصفها مؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعى وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة «..ثم حدد بيان الثورة؛ «خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصرى قوى ومتماسك لا يُقصي أحدًا من أبنائه وتياراته ويُنهى حالة الصراع والانقسام وتشتمل هذه الخارطة تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت....  وكذلك إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد لحين انتخاب رئيس جديد». وقد تحققت ثلاثية تلك الخارطة فاستُفتِيَ الشعب وصدر الدستور فى يناير 2014، وانتُخِبَ رئيس للبلاد فى يونيو 2014، وتشكل مجلس النواب وبدأ عمله فى يناير 2016. 

وبالقانون تحيا مصر