الأحد 22 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«شيخ النقاد» د.صلاح فضل: مصر رائدة العلم والثقافة فى العالم العربى

تصوير: مايكل أسعد
تصوير: مايكل أسعد

هو أحد رواد التجديد النقدى بصير بفنون الأدب العربى ومعايش لكل اتجاهات الأدب العالمى وتياراته النقدية..توج تاريخ الناقد الكبير د.صلاح فضل عضو لجنة تحكيم برنامج أمير الشعراء الذى تنظمه وتنتجه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية فى أبوظبى بفوز برنامجه بجائزة الأمير عبد الله الفيصل العالمية للشعر العربى فى دورتها الثانية لأفضل مبادرة فى خدمة الشعر العربى.



قال فضل «برنامج أمير الشعراء الذى قام بدور فعال فى إعادة الشعر العربى إلى واجهة الإبداع على مستوى الوطن العربى كله وجد تفاعلًا بين آلاف الشباب الذين يأنسون فى أنفسهم الموهبة الشعرية ويجازفون بإرسال إنتاجهم الشعرى ويحلمون بالوقوف أمام لجنة المحكمين لسماع رأى الخبراء بصدق فى مستواهم وقدراتهم وحجم موهبتهم، بل إننى فوجئت مؤخراً بأن فى أوساط الشعراء الشباب فى الوطن العربى لا يعترفون بما لم يقف بهذا الموقف ويحصل على إجازة من اللجنة تقر بموهبة وكفاءة الشاعر، ولم أتخيل أن ثقتهم بالبرنامج بلغت هذه الدرجة إذ إنه حقاً منح قُبلة الحياة للشعر العربى بعد أن جرى فى الأوساط الثقافية أننا فى عصر الرواية وأن الشعر تراجع، فى رأيى أن المائة حلقة من برنامج أمير الشعراء التى سجلناها على مدار المواسم الثمانية والتى يعاد مشاهدتها ملايين المرات هى حصيلة حقيقية وذاكرة بالغة الأهمية للشعر العربى.

برامج الشعر مظلومة إعلاميًا

يرى فضل أن «البرنامج ظُلم فى مصر إذ لم يروج له إعلاميًا ولم يحصل على حقه فى البث على أكثر من فضائية وإنما بث على فضائية واحدة لموسم واحد وكان من حقه أن يذاع بمواسمه الثمانية مثل برامج الأغانى البسيطة ولا أقول التافهة – فهو لا يؤصل للأصوات الحسنة والحناجر القوية وإنما يضرب بعمق فى قلب الوعى المعرفى للجمهور فهو يعلم الشعر والفلسفة والنقد والوعى القومى ويؤصل للهوية العربية ومن حق المصريين أن يولعوا به ويتابعوه مثل وعيهم بكرة القدم وبرامج الأغانى وغيرها لولا أن الإعلام لم يشجعهم على ذلك.

من جانب آخر فإن كبار الشعراء اللذين فاتتهم المشاركة والإفادة مادياً ومعنوياً منه شنوا عليه حملات ظالمة بإدعاء أنه يشجع أنماطًا شعرية تقليدية على حساب الأنماط الحديثة للشعر .. وهذا ليس صحيحاً فهو يتبنى شعر العمود وشعر التفعيلة وإن كان التفعيلة ليس تقليدياً وإنما فى صلب الحداثة، ولكن فى الحقيقة إنه لا يستوعب النثر وذلك وفقاً لرؤية القائمين على البرنامج أنه لا يلقى رواجاً فى الإلقاء, وإن كنت دائماً لا أشاركهم هذا الرأى .. وأدعو أن يخصص حيز للنصوص النثرية القوية حتى يحتضن البرنامج كل الأشكال الشعرية بلا فوارق.

جدل حول لقب أمير الشعراء

من جانب آخر يرى «فضل» أن البرنامج ظلم عندما ردد بعض الإعلاميين بإطلاق لقب أمير الشعراء على الفائز، فيقول: «فى رأيى الألقاب الأدبية ليست حكرًا على أحد، وأن يحمل لقب أمير الشعراء أحد الشباب أمرًا يسعد شوقى فى برزخه ويساعد تراثه على الشيوع والانتشار ويدعو أحفاده للاقتداء بجدهم الأكبر أول من نصّب أميرًا للشعراء .

وبسؤاله عما أثير من جدل حول البرنامج وأثره على متابعته قال فضل: «هذه التهم جعلت متابعى البرنامج فى مصر قلة اقتصرت على شباب الشعراء وهم بضع آلاف وعلى بعض المثقفين المهتمين بالشعر، ولكن مشاركة واحد من شباب الشعراء له شعبية فى البرنامج وهو هشام الجخ رفع من نسبة مشاهدته داخل مصر، على الرغم من أن البرنامج أضاف لقائمة الشعراء الشباب أسماء غيره لامعة أمثال, أحمد بخيت وعلاء جانب وآخرين ،وترتب على هذا التجاهل الإعلامى فى مصر إلى أن بعض النابغين من الشعراء المصريين لم يجدوا الدعم الجماهيرى الكافى فى مرحلة التصويت وخرجوا مبكراً من البرنامج أو لم يظفروا بالمواقع الأولى وهذا ظلم كبير وقع على عشرات الشباب المصريين .

جائزة الفيصل أنصفت البرنامج

جائزة  الأمير عبد الله الفيصل هى بمثابة اعتراف من مؤسسة سعودية - قامت بمحاولة مشابهة لدعم الشعر العربي- يشرف عليها الأمير خالد الفيصل لمؤسسة منافسة لها بأن البرنامج أفضل مبادرة لتشجيع الشعر العربى, فهذه شهادة بأن البرنامج مس كل المشتغلين بالشعر وأعطى قبلة الحياة للشعر العربى المعاصر ووضعه فى بؤرة اهتمام الجمهور العريض وخاصة ملايين المهاجرين العرب الذين اضطرتهم الظروف لهجرة أوطانهم هؤلاء يتعلقون بالحرف العربى على برامج الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي. 

أنا شخصياً أشعر بالرضا عن الجهد المبذول فى هذا البرنامج مع زملائى لم يكن ضائعاً ولم يكن سعياً وراء المكسب المادى بحسب ما يعتقد السذج وإنما لأداء رسالة بالغة الأهمية وهى استمرار الريادة والمشاركة المصرية ..وقد كنا فى أوقات نحتكر هذه الريادة على أرض مصر وعلينا اليوم أن نشاركها مع الأشقاء العرب .

ريادة مصر لا تختزل على الحقبة الناصرية

يؤكد فضل أن ريادة مصر فى الوطن العربى لم تكن قاصرة على عهد عبد الناصر وإنما بدأت منذ مطلع القرن العشرين إذ قدمت نموذجًا للدولة العربية الحديثة, فهى أول دولة لها برلمان وحكومة ووزراء وجامعات وتعليم منتظم ويهرع إليها أبناء الوطن العربى لإتمام تعليمهم فى المدارس الثانوية والجامعات المصرية كذلك ريادتها فى الصحافة الإذاعة التليفزيون، أول دولة تقود الوطن العربى فى حركة العلم والثقافة والنحت والغناء وفى كل المجالات يلجأ الموهوبون العرب إلى مسارح مصر واستوديوهاتها.. ولم تحتكر جهد أبنائها وإنما وضع المصريون اللبنة الأولى فى معظم المؤسسات العربية الكبرى وباعتراف أصحابها أن البذرة الأولى كانت من مصر أو الشام أو العراق وتأتى مصر دائمًا فى المقدمة.

المثقفون بين ثورتين 

قال فضل: إنه كانت هناك دفعة قوية للفترة الليبرالية السابقة على ثورة يوليو وجاءت زعامة جمال عبد الناصر وتبنيه للثقافة وحركات التحرير ورفع صوت مصر فى المحافل الدولية وانحيازه للفقراء وأبنائهم وحربه من أجل العدالة الاجتماعية وكانت هذه الصورة تحيطها هالة مقدسة فى الخارج، بينما فى الداخل  كنا نعاني، فكان هناك انتصارات على المستوى الدولى وانكسارات فى الجبهة الداخلية لافتقادها للحرية وجاءت نكسة 1967 والتى تسبب فيها الإعلام الصارخ ثم جاءت محاولة ناصر لاستعادة كرامة الشعب المصرى فى حرب الاستنزاف مما أدى إلى انتصارات أكتوبر فيما بعد فى عهد السادات.

المثقفون أمثالى كان لهم مواقف مغايرة من سياسة الرئيس السادات فى الانفتاح السداح مداح وتردى الخدمات فى التعليم والصحة، وأعقب عهد السادات ثلاثة عقود من حكم مبارك كانوا بمثابة تجميد للعقل المصرى والطاقة الإبداعية المصرية فضلاً عن بنية أساسية متهالكة ومنظومة صحية متردية لأقصى درجة .. وتعليم نعانى منه حتى الآن.

ويضيف فضل, أن الثقافة تنقسم إلى قسمين الإبداع الفكرى الفردى فى الفن الأدب وهو يعتمد على فنان أو كاتب موهوب يمتلك طاقة جبارة يفرض نفسه سواء كان كاتباً أو فناناً أو رساما أو موسيقياً، والحقيقة أن المصدر الفردى للثقافة لم تنضب منابعه أبداً من مصر بل إنها تضخ منه بلا حدود  فى أنحاء العالم والوطن العربى.

وهناك ثقافة مصدرها مؤسسى مثل الثقافة العلمية فهى تحتاج إلى حركة مؤسسات الدولة وتضافر جهودها معا وتوجيهها لخدمة البحث العلمى.

إفريقيا العربية

وبسؤاله عن إرجاع البعض لأسباب توتر العلاقات المصرية الإفريقية  اهتمامها بمد جذورها الثقافية العربية على حساب دورها الإفريقى الذى أهمل تمامًا منذ عهد عبدالناصر فأجاب فضل, »هو أمر غير صحيح وإنما الحقيقة التى لا يمكن نكرانها أن عبد الناصر كان أكثر رئيس تدين له الكثير من الشعوب الإفريقية بالحب والولاء لدعم حركات التحرير فى العديد من الدول الإفريقية حتى أنه أسهب فيها على حساب مصر .. ثم جاء السادات وأهمل وهمش العلاقات المصرية الإفريقية ، أما مبارك انحسرت فى عهده العلاقات بدول إفريقيا انحسارًا شديدًا فهو لم ير أبعد من موضع قدميه بمجرد محاولة اغتياله قطع العلاقات تمامًا مع إفريقيا وألغى كل الامتدادات والجذور التى غرسها ناصر على مدار سنوات فى إفريقيا .

ومع ذلك لا يمكن تجاهل وضع مصر وعلاقاتها الطيبة بدول شمال إفريقيا على المستوى الثقافة والوحدة واللغة فنصف إفريقيا الشمالى بالفعل عربى مثل ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وأنا أعتبر أن مناصرة الجانب العربى لنا فى إفريقيا مكسب كبير .