الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 17

لغة الجينات 17

«الذكاء» جينات ودرجات..  و«الغباء» هو كمان.. جينات ودرجات.. فيه غبى مُبتدئ.. وغبى متمرس.. وغبى راسخ فى الغباء.. جيناته أصلية.. وكمان فيه غبى موهوب.. فى الظاهر يبالغ فى تقدير نفسه ومهاراته وفى الباطن  غير مؤهل وجاهل.. غير قادر على التطور والمنافسة.. ويعانى من مرض حقيقى اسمه «وهم التفوق».



«الذكى» يتمتع بثقة كبيرة.. فى الظاهر جيناته الأصلية تمنعه من المبالغة فى تقدير مهاراته.. وفى الباطن يتجنب ذكر مدى كفاءته حتى لا يضطر للدخول فى مناقشات عقيمة وغير مجدية مع الأغبياء.

« الغبى» جيناته تدفعه لتضخيم إيجابياته وتصغير سلبياته.. فى الظاهر يسير منفوخا مثل الطاووس.. يستمر فى تصديق الأكاذيب التى ينسجها حول نفسه... وفى الباطن يعانى من سوء تقدير للقدرات الذاتية والبيئة المحيطة به... على الرغم من كونها واضحة لجميع من حوله.

«الغباء والفساد» وجهان لعملة واحدة.. فى الظاهر هتلاقى ناس كتير بتدافع عن الأغبياء بحجج من نوعية.. «ده غلبان سيبه ياكل عيش» وفى الباطن.. هذه منظومة متكاملة من الغباء الممنهج الذى ترعاه وتحافظ عليه وترشحه لمناصب عليا.. منظومة خفية، هذه المنظومة الخفية خطر على المستقبل.. ومدمرة للدولة.

كل مجتمع ينتج عباقرته.. وعندنا شاعر غنائى كبير اسمه حسين السيد هو أحد هؤلاء العباقرة .. الشاعر ده جيناته الأصلية صنعت منه أحد  أهم الشعراء  اللى مروا على مصر من بداية القرن الماضى  وحتى الآن.. حدوتة مصرية صعب تتكرر.... فى الظاهر شاعر غنائى.. وفى الباطن فيلسوف موهوب بيغوص فى تفاصيل حياة المجتمع المصرى وبينقل الأغنية لمرحلة جديدة.. مرحلة القصائد المصورة.. بيقدم لنا  لوحات فنية.

 عبقرية حسين السيد كانت فى بساطته.. فى الظاهر يتباسط عن عمد،  كلمات أغانيه بتجرى على كل لسان.. وفى الباطن  يترك نفسه تكتب مثل طفل شقى خفيف الدم... فيصنع السهل الممتنع.

عبقرية حسين السيد هى اللى أنقذته من السقوط فى الكراهية.. جعلته يكتب أغان للثورة ويمجد  فى عبدالناصر اللى حرمه من فلوسه وشغله.. وخلاه يبيع بيته ويعلن إفلاسه. 

«حسين السيد» ورث من والده شغلة توريدات الأغذية للجيش.. وبعد أن تعاقد على شراء أطنان من الأغذية لتوريدها.. ألغى عبدالناصر العملية لأنها لم تتم عن طريق مناقصة عامة، خسر الرجل كل شىء فجأة.. اضطر لبيع العمارة التى يملكها لسداد مستحقات التجار.

فى الظاهر عاش فى حزن.. وذهب للقضاء مطالبا بالتعويض بعد أن خسر كل شىء.. واستمرت القضية فى المحاكم من الستينيات وحتى وفاته فى عام 1983 ولم يحكم فيها إلا بعد رحيله بانقضاء الدعوى لوفاة المدعى!!.. وفى الباطن انتصرت جيناته الأصلية وعبقريته على الكراهية.. انتصر الشاعر على التاجر.. واستمر فى كتابة الأغانى للثورة وعبدالناصر نفسه.. وبكى عليه بحرقة  بعد هزيمة يونيو.. وعندما أعلن التنحى .

عبقرية حسين السيد هى اللى خليته يتخلى عن حلمه فى التمثيل ويتمسك بأول فرصة جاءت له لكتابة الأغانى.. فى الظاهر ذهب ليقدم فى اختبار التمثيل لمشاركة محمد عبدالوهاب فيلمه الجديد «يوم سعيد» من إخرج محمد كريم... وفى الباطن كانت جيناته الأصلية توجهه نحو مستقبله الحقيقى وفرصته الذهبية فى كتابة أغنية «إجرى إجرى إجرى.. وصلنى قوام وصلنى.. ده حبيب الروح مستنى».. الأغنية كتبها فى 24 ساعة بعد أن سمع عبدالوهاب يرفض أغنية أخرى مكتوبة للمشهد نفسه فى الفيلم فتقدم لكتابة الأغنية.. ورغم سخرية المخرج والعاملين من الشاب الذى جاء يمثل ويكتب الأغانى إلا أن عبدالوهاب أعطاه الفرصة.. وعندما سمع الأغنية تانى يوم.. طلب منه أن ينسى التمثيل ويركز فى كتابة الأغانى.. وبدأت صداقته  مع عبدالوهاب  استمرت 40 سنة.. وقدم لنا فوق الألف أغنية.

عبقرية حسين السيد هى نفسها التى جعلته فى الظاهر يتعجب من «نجاة الصغيرة» التى جاءته تطلب أغنية فيها حكاية وقصة مثل أغنية شادية التى نجحت نجاحا مبهرا «مين قالك تسكن فى حارتنا تشغلنا وتقل راحتنا». وفى الباطن كان ذكاؤه يخبره أن نجاة ستنجح جدا فى أغنية درامية حزينة فقدم لها «ساكن قصادى وبحبه» 

«حسين السيد»  وردة الحب الصافى فى تاريخ جنينة شعر مصر.

ألم أقل لكم إن كل مجتمع ينتج عباقرته وأغبيائه.. منافقيه وشجعانه، عبيده وأحراره..  

ألم أقل لكم إن الذكاء جينات وموهبة والغباء أيضا جينات وموهبة.. فى الظاهر الغباء يمنح الكثيرين نوعاً من التوازن النفسى وفى الباطن هو جحيم لا يطاق خاصة لو هذا الغبى تولى منصبا  فتكون كل اختياراته مشوهة.

احذر إذا رأيت شخصا لا يتعلم أبدا» من أخطائه فهو غبى موهوب.. إذا رأيت شخصا يعتقد أنه أذكى الناس فهو غبى موهوب... إذا رأيت شخصا يُنافق الناس 

ويظن أن أمره بأيديهم فهو غبى موهوب.. إذا رأيت شخصا يجحد فضل أصحاب الفضل فهو غبى موهوب.