الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الهجرة الواجبة

الهجرة الواجبة

مع بداية العام الهجرى يظن البعض أن مناسبة الهجرة هى ذكرى تاريخية يحتفل بها بمسلسل دينى أو أناشيد دينية، بينما الاحتفال بالهجرة لا بد وأن يتم بشكل عملى، فلا بد وأن يجعل الإنسان  من  بداية العام الهجرى  بداية جديدة مع الله، ونهاية لكل ما هو سيئ فى القول أو الفعل أو العمل.



كما أن الهجرة النبوية وما تحمله من معانى يتطلب من الإنسان أن يحقق اليقين بالله والسعى إلى معيته فمن كان يقينه بالله هجر الذنوب ولم يخش شيئًا، ولنا فى يقين رسول الله صلى الله عليه وسلم  برب العزة القدوة الحسنى, ففى الهجرة ضرب لنا نبينا الكريم أروع أمثلة اليقين بالله  والتوكل عليه حينما اجتمع أهل الكفر عند  باب الغار الذى به رسول الله وكان معه الصديق أبوبكر صلى الله عليه وسلم، فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ, قَالَ:((نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا, وَنَحْنُ فِى الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ، أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟))

إن إدراك البصيرة تفوَّق على إدراك البصر، فالمؤمن يسير ببصيرته ويقينه بالله، فلا يعيقه عن فعل الصواب والخير شىء لأن يقينه أن الله فى معيته، لأنه يعلم أنه إذا كان الله معك فمن عليك بعد ذلك بمن عليك ومن معك.

ونور البصيرة فيتجلى فى ثقة النبى  (صلى الله عليه وسلم) فى ربه عندما قال لصاحبه: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»، وهى سنة كونية فى معية الله (عز وجل) لأنبيائه ورسله وعباده الصالحين، كما حكى القرآن على لسان سيدنا موسى (عليه السلام) عندما قال له قومه: «إِنَّا لَمُدْرَكُونَ» فأجابهم بقوله كما حكاه القرآن الكريم على لسانه: «كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّى سَيَهْدِينِ»، كما أن معية الله (عز وجل) متحققة لعبادة المؤمنين وعبادة المتقين وعبادة الصابرين وعبادة المحسنين، يقول سبحانه: «وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ»، ويقول سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»، ويقول سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»، ويقول سبحانه: «وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ».

إن الهجرة المقصودة من قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ». هى الهجرة بالقلب إلى الله ورسوله، أى أن يهاجر العبد بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه، إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له إلى دعائه وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له.

إن الهجرة إلى الله ما زالت مستمرة  لكنها هجرة نفسية  ومعنوية وليست هجرة بدنية، فهجرتنا تكون بترك المعاصى، وفعل الخيرات، والثقة بالله، واليقين بأن ما يدبره الله لنا أفضل مما ننتظره، فهيا بنا  نهاجر إلى الله بقلوبنا وأفعالنا ومعاملتنا.