الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
«ماتى بيكوياماسا»  أيقونة الرسم الصحفى

«ماتى بيكوياماسا» أيقونة الرسم الصحفى

فى أحايين كثيرة جدًا يعود النقد ويتطرق للأسئلة الوجودية حول الفن دوره ووظيفته واستخدامه كشكل من أشكال الحياة .. بمعنى أدق هل يصح للفن أن يصبح شكلا من أشكال الحياة المعاشة ؟ أى أن تعيش الفن بشكل يومى كمتلقى ومتذوق وكمستخدم للفن أيضًا .. القضية أكبر من حصرها فى مدار الرؤية والتصفيق أوالأطراء .. الفن فى معظم حالاته وخصوصًا فى الأقاليم العملية جدًا يصبح نوعًا من الأدوات التى تدخل فى الصناعة فيصبح الفن جزءًا يوميًا معاشًا وجانبًا عمليًا من الحياة وهذا ما يميز بعض الأقاليم الأوروبية من ناحية تلقيها للفن بشكل عملى, حيث تتعامل مع الفن من جانب التصنيع الفنى أى أن يجد المتلقى الفن فى منزله أو مكتبة فى صورة ينتفع بها.



الحقيقة أن هذا المدخل من الأسئلة الوجودية للنقد يتناسب تمامًا مع فنان كبير ينتسب لمدرسة عميقة من مدارس الفن المجهولة بالنسبة لنا كنقاد ومتذوقين عرب مع أنها من أشهر مدارس الفن التشكيلى فى العالم أجمع، فنانا اليوم هو أيقونة الفن التشكيلى الصحفى والترويجى فى فنلندا بل وفى كل دول اسكاندنافيا قاطبة الفنان الكبير ماتى بيكوياماسا والذى يعرف حاليا بأنه فنان الصحافة الأول بلا منازع كما تتميز أعمالة بأنها مجموعة من التيمات الترويجية للطباعة سواء فى المنتجات البسيطة مثل التابلوهات والأكواب الخزفية أو حتى فى طباعة كتب الأطفال وفن الملصق ويعتبر أسلوبة هو أهم أساليب الرسم الصحفى الحديثة فى أوروبا كما أنه يعتبر أهم حلقة وصل بين مدارس اسكاندنافيا ومدارس أوروبا فى هذا المجال.

قبل أن ندخل إلى عوالم ماتى بيكوياماسا الممتعة والمبهجة فى نفس الوقت علينا أن نلقى نظرة على الجوار والبيئة التى أنبثق منها ماتى وجيله بل ومعظم فنانى فنلندا، بداية علينا أن نقول: إن لكل مدينة أو دولة ثقافة تكون هى السمة المميزة للمكان وتسود معظم الأنشطة فيها ومن ثم نجد أن ثقافة الطعام تميز أسطنبول وثقافة المتاحف تميز لندن وهكذا أما هلسنكى عاصمة فنلندا تميزها ثقافة التصميم فتعتبر بلا منازع عاصمة التصميم فى العالم وهكذا تجد أن ورش وأتيليهات ومحارف فنانى تصميم المجوهرات والنسيج والخزف منتشرة فى شوارع العاصمة هلسنكى وتتعرف على أسماء مصصمين عظماء دخلو التاريخ بتصميماتهم التى هى فى الأساس مولودة من فن التشكيل مثل ماريميكو أهم وأشهر مصممى النسيج والأقمشة فى العالم ومثل أتيلا تانى أشهر مصمم خزف وكريستال فى العلم بعد يوجرتن النمساوى وهكذا وفى كل هذه الدائرة الكبيرة التى تعج بالتمصيمات والمصممين وربما الأكبر فى العالم تحتضن هذه الدائرة الغابات الطبيعية والأنهار وبحر البلطيق وكل هذه الوشائج هى التى كونت فن ماتى بيكوياماسا وغيرة من فنانى فنلندا وبتالى سوف نجد فن ماتى فنًا نوعيًا بشكل كبير يعتمد على ثراء الرؤيا اليومية والتى يتفاعل معها المتلقى العادى والمتلقى المستوعب لماهيات الفن ومن ثم نجد أن السكان العاديين يتسابقون على اقتناء أعمال بيكوياماسا المشغولة على الأكواب والتابلوهات الصغيرة وكروت المعايدة والحقيقة أننا نتوقف هنا لنتساءل عن دور الفنان العربى فى الفن المعاش والذى يكاد يكون منعدمًا، حيث يعتبر الفنان العربى أنه فى طبقة أكثر رقيًا من طبقة المصممين ولا يعتبر التصميم من أحد فروع الفن بل إنه كان فنًا أصيلًا وأقدم من معظم الفنون ومن ثم نجد أن فن التصميم فى الوطن العربى يتراجع لدرجة كبيرة لأن الفنانين تركوا المهنة لطبقة من المصممين الذى لا فن لديهم ويعتمدون على التيميات الجاهزة فى برامج الحاسوب ومن ثم تحولت المهنة لكلاشيهات صماء لا فن فيها .. وهذا ما ابتعدت عنه تماما ثقافة التصميم التى تسود فنلندا والأقاليم المجاورة, فالتصميم فى الأساس هو فن حقيقى ومعاش ومستخدم.

يعتبر الفنان الفنلندى الكبير ماتى بيكوياماسا من أهم الفنانين الذين يتصدرون المشهد الفنى فى هلسنكى, حيث حصل منذ عامين على أهم جائزة فنية تمنح فى فنلندا وهى جائزة رودلف كوفو للرسم ثم حصل على جائزة الدولة للفنون هذا العام لكن علينا أن نقوم بتحليل فنه حتى نعرف لماذا وصل هذا الفنان لهذه المكانة رغم سنه الصغيرة نسبيا 41 عامًا ، يعتبر ماتى بشكل كبير من فنانى الرسوم التوضيحية او الأليستريشن مما يضيف لها تميزا كبيرا لأنه يقع بين مدرستين كبيرتين فى فن الرسم الصحفى وفن التصميم وإن كنا نستطيع أن نقول: إن فن التصميم عند بيكوياماسا يأتى من كون أعماله قابلة للتدوير فى اتجاهات كثيرة أهمها فن الملصق وفن الرسم الصحفي.

تتأثر معظم أعمال بيكوياماسا بشكل كبير بالمدرسة الإنجليزية فى الصحافة وخصوصا شيخ الرسم الصحفى والقصصى الفنان الراحل رونالد سيريل وهو وإن لم يكن الكثيرون فى المنطقة العربية يعرفونه لكنه ضمن أشهر خمس فنانين فى الرسم الصحفى فى القرن العشرين بل تصنفه الأكاديمية الروسية أنه أكثر الرسامين تأثيرا فى الصحافة ووجه الشبه والتأثير واضح فى أعمال بيكوياماسا ويظهر ذلك فى عدة خطوط أولها الوجود الكثيف للتكوينات الحيوانية فى أعمال بيكوياماسا وبنفس النكهة الطفولية الموجودة فى أعمال سيريل بل ولعل أحد أسباب اعتماد الاثنين كقامات فى رسوم الأطفال هى أنهم ركزا بشكل مميز على خلق شخصيات حيوانية تتماشى والأعمال الكرتونية وذائقة الأطفال بل وتصبح محببة لدى الكبار أيضًا ولعل اختيار كل منهم لحيوان واحد يتكرر كثيرا فى أعمالهم هو بدواعى التأثر بالبيئة المحيطة ومحاولة كل منهم لخلق تيمة حميمة تعبر عنه. الخط الثانى الذى يربط بين سيريل وبيكوياماسا هو ذلك الإصرار على جعل الرسم الصحفى أكثر بساطه وأكثر جاذبية سواء كان بورتريه لشخصية مشهورة أو مشهد عام يعضد الموضوع الصحفى أو حتى موتيفه زخرفية وعلى الرغم من اختلاف المقاييس فى تصوير الشكل الآدمى بين سيريل وبيكوياماسا إلا أن الاتفاق فى التبسيط والاقتراب من الهزل فى الرسم التوضيحى فى تصوير الشخصية داخل العمل الصحفى أو حتى داخل كتاب سواء للكبار أو للأطفال هذا التبسيط يجعل من الاثنين مدرسة واحدة فى جذب القارئ ودمجه بشكل عفوى مع موضوع القراءة.