الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
القائد.. ومعزوفة الانتماء !

القائد.. ومعزوفة الانتماء !

 فى إطار ثقافتنا المعرفية فى أوساط النخبة والعامة؛ نجد أن «العصا» كان لها الحظ الوفير فى الإضاءة عليها والتعريف بها فى أشكال ومواقف متعددة؛ بدءًا من القرآن الكريم والإنجيل، وصولاً إلى الأمثال الشعبية وقصائد الشعراء، وحتى شعراء الربابة فى سردهم للملاحم والمعارك بين أبطال السيرة الهلالية وغيرها.



فنجد فى القرآن «عصا موسى» حين خاطبه المولى عز وجل فى الوادى المقدس طوىً: « وَمَا تلكَ بيَمينِكَ يامُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِى وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ»( طه 18/17)، «فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ»﴿ ١٠٧ الأعراف﴾، و»عصا سليمان الحكيم» فى القرآن؛ وهو يسخِّر»الجن»  فى العمل والبناء وهو يتكىء واقفًا على عصاه/مِنْسَأتِه : «لَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ (سبأ 14)، وفى الإنجيل يأتى ذكرها : « فى شفتى العاقل توجد حكمة، والـ (عَصَا) لظهر الناقص الفهم» (سفر الأمثال ـ الإصحاح العاشر ـ 13) وعن ذكرها عند الشعراء ـ فحدِّث ولا حرج ـ فيقول أبى الطيب المتنبى فى  سخريته وهجائه لكافور الإخشيدى:

لا تشترِ «العبد» إلا والعَصَا معهُ… إن العبيد لأنجَاسٌ مناكيدُ! 

ويقول الشاعر/نزار قبانى فى قصيدته: «العصا والرفيق والطريق» مخاطبًا عميد الأدب العربى د.طه حسين: اخلع نظارتيك ماأنت أعمى * إنما نحن جوقة العميان، خذ عصاك ياصديقى وتسلق مثل ضوء شجر الليل السميق، عصاك شمس كل التائهين، وعصاك تنقر الأسفلت نقرًا وتراقص الفراشات الجميلة، والطيور ومساكين المدينة . 

ومن الأمثال الشعبية المصرية والعربية: العصا من الجنة، والعصا لمن عصى، وشق عصا الطاعة، ولاترفع عصاك على أهلك، ويقال الناس عبيد العصا ، وألقى الرجل عصاه إذا اطمأنَّ مكانه ، لوت الأيامُ كفَّه على العصا : هرم وكبر، ونجدها فى العادات والتقاليد الشعبية فى الموالد والأفراح «الرقص بالعصا/التحطيب» ولنا أن نتوقف كثيرًا عند مبتغانا الذى نهدف إليه فى هذا الصدد، ونتوقف عند الأداه التى تعمل على معانقة القلوب بالموسيقا والنغم؛ ألا وهى «عصا المايسترو»،  وفى الأغلب الأعم  يتساءل كثيرون ـ خاصة عند غير المتخصصين ـ عن ماهية ومغزى أداء حركات المايسترو المُمسك بالعصا فى يده اليمنى بينما تتحرك الأخرى بحريَّة يمينًا ويسارًا وأعلى وأسفل؛ وعن أهمية الدور الذى يلعبه وما يصاحبه من حركات جسدية؛ وهل هى مجرد طقس من طقوس قيادة الأوركسترا ليس له أهمية .

وإذ كان  قائد الأوركسترا»المايسترو» يُعد مُخرجًا للعمل موسيقيًا؛ لكنه يختلف  اختلافًا كليًا عن مخرج السينما أو المسرح؛ ففى عالم السينما والمسرح يتعامل من يتولى الإخراج مع النصوص وفقًا لرؤيته لجوانب العمل الفنية فى الديكور والحركة على المسرح أو أمام الشاشة؛ فى الحدود التى تترجم اللفظ والدلالة لأهداف المؤلف، ولا توجد هذه الحرية عند المايسترو ويقتصر عمله على تنفيذ ماهو مكتوب بلغة الموسيقى فى نوتة المقطوعة التى يقوم بالإشراف على عزفها، ولكنه يكون مسئولاً فى المقام الأول عن تدريب العازفين فى البروفات، لتخرج النغمات فى وحدة واحدة لانشاز فيها من أى آلة من آلات أفراد المجموعة، ليندمج الجمهور مع التحركات الجسدية وتحركات العصا بيمناه فى كل الاتجاهات، بينما اليد اليسرى وانقباضات وانبساط الكف بأصابعه الخمس؛ تعطى الإشارات بارتفاع وانخفاض بعض الآلات الوترية أو الإيقاعية، لتصنع التوحد والأندماج بين قلوب المستمعين وروحانية النغم المتصاعد فى جنبات القاعة.

ويقال ـ والعهدة على بعض المصادر الموسيقية الثقات ـ إنه ليس للمايسترو فى فرق الموسيقى العربية أدنى أهمية، فعازف الرق فى الموسيقى العربية هو المايسترو والقائد، لأنه يعطى إشارة البدء للفرقة لتعزف بعدها لحنًا واحدًا طوال الحفل، ومن الأمثلة على ذلك حفلات  كوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب .

هيا بنا  ندلف إلى تحليل مدى أهمية تطبيق مبدأ الجماعية فى الأداء داخل المجتمع؛ والالتفاف حول الأهداف الوطنية السامية؛ من أجل ضمان الوصول إلى قمة النجاحات المرجوَّة فى أى عمل من أعمالنا ومشروعاتنا القومية العملاقة التى تعود بالنفع على الوطن ومستقبل الإنسان على أرضه؛ فنجد أن كلمة مايسترو فى اللغة الإيطالية تعنى «السيد» أو «المعلم» وهو عنوان الاحترام الشديد الذى يعطى للقائد على المستوى السياسى والحربي؛ خاصة فى أوقات المحن والخطوب ومجابهة مخاطرالإرهاب الذى يحاول نشر عباءته السوداء على جنبات العالم؛ فالإرهاب ليس  له دين أو وطن ـ كما رأينا فى عمليات القتل العنصرية على الهوية والعقيدة فى حوادث سجلها التاريخ فى بقاع متفرقة من العالم ـ وليس لدرء خطره سوى أن نعمل جميعًا فى «هارمونية» تحت ظل وبإشارة من عصا المايسترو للقائد السياسى المحنك الذى يسعى بنا إلى عزف سيمفونية الانتماء  ومعزوفة الولاء للتوجهات القومية التى كافحت الأجيال من أجل تحقيقها تطلعا إلى الارتقاء لاستنهاض الوجود المتفرد  وبلوغ الغايات المنشودة من أمن وأمان واستقرار على كل الأصعدة لغد نتمناه مشرقا بنورانية تسطع بهاء ومكانة وقيمة وحياة رغدة تحت ظل علم خفاق لاينكس أبدا .