الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«لورا نايت» رائدة فن البوستر العسكرى فى انجلترا

«لورا نايت» رائدة فن البوستر العسكرى فى انجلترا

فى مقولة شهيرة للسير «رونالد ماكنتوش» المثقف الانجليزى الشهير قال فيه «لعله من الصعب أن تصل المرأة إلى مرتبة عليا ومرموقة فى بلد مثل بريطانيا خاصة قبل الحرب العالمية الثانية حيث الهيمنة الذكورية والأفكار الكلاسيكية القديمة، فليس للمرأة أن تكون عضوًا فى الجمعيات المدنية والنوعية الجادة التى يقوم عليها الذكور بصفة أساسية».



الحقيقة أن مقولة «ماكنتوش» تعبر باختصار عن حالة المجتمع الانجليزى قبل الحرب العالمية الثانية ونظرته للمرأة من الناحية المهنية والتى اختلفت تمامًا بداية من الحرب العالمية الأولى حتى تحطمت بعد الحرب العالمية الثانية حينما شاركت المرأة فى الجيش والمجتمعات المدنية وأثبتت أنها صنو الرجل فى كل شىء حتى فى أوقات الأزمات والحروب وهذا الكلام ينطبق على فنانتنا اليوم والتى تعتبر من علامات الفن التشكيلى فى القرن العشرين وهى المرأة الأولى التى تدخل بكل ثقة فى عضوية الأكاديمية الملكية للفنون والتى لم تأخذ عضويتها امرأة منذ أن أنشئت فى القرن الثامن عشر، والتى حصلت على لقب امرأة القرن العشرين من الصحافة الانجليزية بعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها.

ومن مدخل آخر علينا أن نقول أن الفنان الذى لا يربط نفسه بمدرسة ما هو الفنان الأكثر نجاحًا خاصة إن كان يمتلك من الأدوات ما يجعله يتنقل بين المدارس والأساليب والأفكار ومن ثم يعطى لنفسه الفسحة من التعبير والتنفيذ وهذا ما اعتمدته لورا نايت فى معظم فترات حياتها فالنقد الانجليزى يحسبها على مدرسة الواقعية الحديثة والنقد الأمريكى يجدها ابنة مدرسة الإعلان والفن النوعي، وفى فرنسا توصف بأنها أحد رواد التأثيرية الجديدة وقد نراها نحن من منظور آخر أحيانًا فكتورية وحتى فى رسم الوجوه فى البورتريه الاجتماعى.

نستطيع أن نميز فى فن لورا نايت مجموعة مراحل كل مرحلة كان لها طبيعتها الخاصة وتأثيرها فى حركتها الفنية.. بداية علينا أن نقول أن المرحلة الأولى من مراحل لورا الفنية كانت هى مرحلة التجربة والتى حاولت فيها أن تجد تكنيكا مناسبا لمستوى موهبتها وتطلعاتها الفنية وكانت هذه المرحلة تحمل تخبطًا شديدًا وكانت تنتج كمية كبيرة من الرسومات ثم تقوم بإعدامها لعدم رضاها عنها، وجاءت نقطة التحول فى حياتها الفنية والاجتماعية عام 1895 حين تعرفت على الفنان النابه هارولد نايت وكان فى هذا الوقت يستخدم تكنيكا خاصا به وحينما تعرفت عليه كانت تبحث عن تكنيك يميزها فوجدت أن تكنيك هارولد نايت هو الأنسب لها خاصة أن هارولد كان يسير بتوازن بين الواقعية الجديدة وبين المدرسة الصحفية ومن ثم فتح آفاق جديدة للورا فتتلمذت على يديه وظلا متلاصقين حتى تزوجا فى عام 1903 ومن ثم كسبت لورا أستاذا علمها التكنيك وزوجا فى نفس الوقت الحقيقة أنها اكتسبت أيضًا منه ما يعرف بمواكبة الحدث أو مسايرة الحدث الجارى فلقد تشكلت أعمال لورا فى كل مرحلة بحدث تاريخى أو اتجاه اجتماعى.

المرحلة التالية هى المرحلة التى حاولت فيها لورا اختبار قريحتها الفنية فى الانطباعية الحديثة خاصة فى المشاهد الخارجية سواء على الشاطئ أو فى الريف فمن يعاين أعمالها فى هذه الفترة يجد تمكنًا كبيرًا فى أسلوب الرسم بحركة الفرشاة وتوزيع الضوء على اتجاهات هذه الحركة وهذا ببساطة هو لب المذهب الانطباعى، وبرزت فيه حينما دعاها المتعهد الفنى الروسى الشهير سيرجى دياجليف فى عشرينيات القرن العشرين لتقوم بعمل التابلوهات الخلفية لعروض البالية الخاص به والذى كان ينظمه ويجول بمجموعته الفنية فى كل أوروبا حيث أنجزت بجانب الخلفيات بورتريهات ومشاهد للبالارينات، ولم يكن هناك من يتصور أن تقنع فنانة مبتدئة من وجهة نظر دياجليف بفنها بعد أن تركه ليون باكسيت عبقرى روسيا الشهير ومن ثم حلت هى محله.

وعلى الرغم من أن الحرب العالمية الأولى تسببت فى كثير من البلبلة فى حياة لورا إلا أنها ربطته بالمجتمع بشكل كبير خاصة حركة الشارع فى خضم هذه الحرب المشتعلة, ومن ثم كلفت لورا بإنجاز بعض الرسومات النوعية للجيش الانجليزى وهذا هو الذى نقلها فيما بعد للمراحل اللاحقة فى حياتها خاصة المرحلة الصحفية ثم مرحلة الإعلان والانتشار.

فيما بين الحربين الأولى والثانية ركزت لورا نايت على تطوير موضوعاتها واختيار موضوعات أكثر قبولًا بين الجماهير والحقيقة أن الهدف فى ذلك هو أنها كانت تحاول التركيز على المهمشين فى المجتمع فقامت بعمل مجموعة لوحات داخل السيرك وأنجزت بشغف بورتريهات للاعبى السيرك والمهرجين، ثم ذهبت فى رحلة لبالتيمور فى الولايات المتحدة حيث دُعِيت لتنفيذ أعمال فنية لمستشفى بالتيمور كما أنجزت هناك العديد من البورتريهات للأطفال المرضى وللممرضات.

فى أواخر الثلاثينيات بدأت الحرب العالمية الثانية واشتد وطيسها, ومن ثم تم تكليف لورا بعدة أعمال للجيش الانجليزى ومنها بورتريهات للجنود وبعض القيادات ومنها انطلقت فكرة الإعلانات العسكرية والتى تتبع فيما يشبه الشئون المعنوية حيث قامت بإنجاز عدة إعلانات للنساء فى الجيش فى الزى العسكرى ويحملون الأدوات العسكرية والحقيقة أن تكون فنانًا بهذه الشعبية حيث يشاهد الشعب كله أعمالك فى محطات القطارات والأماكن العامة فرصة لم تتح للجميع لكنها أتيحت للورا بكل ثقلها وبهجتها، ويعتبر هذا البوستر الذى تم إنجازه يتبع بشكل كبير فن الإعلان الأمريكى فى هذه الفترة التى اطلعت عليه فى بالتيمور قبل ذلك ونجد ذلك فى الألوان ومقاييس الوجه ولعل الرسومات الصحفية التى أنجزتها للجرائد والمجلات فى فترة الحرب هى التى أهلتها لتكون هذا الكم من الشعبية فى هذه الملصقات التى نفذتها للجيش.

كانت هناك موضوعات أخرى محببة لدى لورا نايت ألا وهى حبها الشديد لتصوير الغجر ورسم بورتريهات لهم حيث كانوا يملأون الريف الانجليزى وتعرف بورتريهاتها للغجر بأنها أهم ما أنجز فى هذا الموضوع.