الانطباع الوجدانى
صدر هذا العام كتاب مهم يوثق لرحلة تألق الموسيقار الكبير هانى شنودة بعنوان «مذكرات عرّاب الموسيقى هانى شنودة» وهو كتاب جدير بالقراءة والاقتناء لكل من يهتم بالتعرف على كيف بدأت الثورة على الأطر التقليدية فى الغناء المصرى والعربى تلك التى ترتبط بصورة كبيرة بالمحتل العثمانى فى جوانب منها وبأساليب الغناء الشعبى المصرى الأصيل فى جوانب أخرى.
تأتى أهمية الكتاب من قدرته على رصد المتغيرات فى الفترة ما بعد الانفتاح وظهور مدارس جديدة للغناء والتلحين تعتمد على أدوات الكترونية حديثة استطاع هذا الموسيقار الكبير تطويعها ببراعة.
لن استفيض فى الحديث عن رحلة هانى شنودة وما قام به من ثورة مهدت الطريق أمام الموسيقى المصرية الحديثة ولن أتحدث عن أشهر أغانيه وكم المعاناة التى مر بها لتخرج إلى النور وتبقى خالدة لعشرات السنين وإلى المستقبل أيضًا.
لن أتحدث عن فرقة المصريين ولا عن اكتشافه لقطبى الغناء محمد منير وعمرو دياب ولا عن أشهر أغانيه التى لحنها لكبار المطربين كما لن أتحدث عن الموسيقى التصويرية للأفلام والتى ساهمت فى نجاحها وفى أن تبقى عالقة فى الأذهان ربما أكثر من أحداث الفيلم نفسه.
ولكن استوقفنى فى حديث الأستاذ هانى نقطتين مهمتين الأولى مرتبطة بوقت العمل والإبداع ،حيث أشار إلى أنه يبدأ فى العمل والتلحين فى الصباح الباكر وهو أمر مخالف للصورة الذهنية التقليدية للملحن بأن يجلس طوال الليل ليقوم بالتلحين ثم يخلد إلى النوم فى العاشرة صباحًا أو ما بعدها.
ذكرنى هذا الموقف بفنان الشعب الفنان سيد درويش وصديقه المنشد محمود مرسى الذى كان يلازمه فى سهراته الليلية ويقوم بكتابة الألحان والتى ربما لا يتذكرها الشيخ سيد عند استيقاظه فى اليوم التالى.
النقطة الثانية التى استوقفتنى هى ما أطلق عليه الأستاذ هانى «الانطباع الوجدانى» وهو أمر يتركه كل صوت فى وجدان المستمعين.. هذا الانطباع ينعكس على تأثير الأغنية مهما كانت كلماتها مبهجة أو حزينة حيث يشير إلى أن أغنية مثل «زحمة يا دنيا زحمة» لو قام بتلحينها لنجاة الصغيرة لبكى المستمعون من فرط الحزن والإحساس بالضيق فيما أدى صوت أحمد عدوية إلى رسم ابتسامة على شفاههم بل دفع البعض إلى الرقص على أنغامها على الرغم من قسوة الكلمات.
استغل الأستاذ هانى شنودة الانطباع الوجدانى للفنانة نجاة الصغيرة لإنجاح أغنية «بحلم معاك» فصوتها مع استخدام الآلات الموسيقية المناسبة أعطى إحساس الحلم حالة البرزخ بين النوم واليقظة.
تغريدة: الانطباع الوجدانى ليس فى الغناء فقط ففى الكثير من الأحيان ترتاح لحديث شخص وتفضله عن شخص آخر ولا تدرى أن السبب هو طبقة صوته وما تتركه فى نفسك من ارتياح أو انزعاج.
