الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الثقافة المنشودة بين.. جمال الثقافة.. وثقافة الجمال!

الثقافة المنشودة بين.. جمال الثقافة.. وثقافة الجمال!

أعلم جيدًا أن العنوان قد يبدو غريبًا على القارىء، ليس عن طريق التأثير فى وجدانه باستخدام ألفاظ اللغة فيما يسمى بموسيقى السجع والطباق والجناس، ولكنه الاجتهاد فى محاولة إيجاد التفسير الأمثل لمضامين ومفاهيم كلمة «ثقافة» بالمعنى الشامل المادى والمعنوى، وحتى تكون هى  أى الثقافة ـ الغالبة على السلوكيات العفوية والفطرية بين أفراد المجتمع الإنساني، يستوى فى هذا أبناء الطبقة الدنيا أو أبناء «الطبقة العلِّـيوى»!



ولكن قد تأتى هذه الغرابة لتكرار الدخول فى تلك المحاولات التى تبحث عن مضمون شامل لها، على أمل الوصول إلى تعريفٍ «وافٍ» لمفهوم تلك العبارة، والوقوف على التعريف القاطع الذى يشفى غليل كل من يبحث خلف معناها ومبناها ومدلولها ومدى تأثيرها فى وعلى الإحساس الجمعى داخل المجتمعات الإنسانية التى تبحث جاهدةً عن الرقى والتقدم والازدهار.

ولكنى كباحثة أكاديمية، أجد أنه من واجبى  الوطنى والإنسانى والأكاديمى  ضرورة مخاطبة رجل الشارع العادى بما يجب أن تكون عليه سلوكياته وعاداته الفطرية والعفوية، وهى العادات التى يجب أن تشكِّل ـ فى الأساس ـ الجزء الأكبر فى مفهوم «الثقافة المنشودة» التى نبحث عنها فى طيات المجتمعات الإنسانية والحضارية، ولأبتعد بالقارئ ـ غير المتخصص ـ عن المصطلحات اللغوية المعقدة التى يتعامل بها أساتذة علم الاجتماع فى مدرجات العلم والتحصيل داخل الجامعات والمعاهد العلمية.

فأقول بإيجاز: إن الثقافة هى مجموعة السلوكيات الاجتماعية التى تشتمل على كُل أو بعض الظواهر التى تنتقل من خلال تقليد الطفل فى مطلع حياته، هذا التقليد الذى يقوده ـ تلقائيًا ـ إلى تعلم بعض الممارسات الاجتماعية السائدة من حوله، والتأُثر بالممارسات والأشكال التعبيرية مثل الرسم والموسيقى والشعر والرقص واختيار الملابس التى تتطابق مع المعيار السائد فى المجتمع، بالإضافة إلى اكتساب طقوس المناسبات الاجتماعية المختلفة، ليبدأ خلال مرحلة النضوج واستكمال تكوين الشخصية، فى ممارسة سلوكيات اختياراته لمضامين « الثقافة المادية « كالانضمام إلى المؤسسات السياسية والتجمعات الحزبية واعتناق ما يناسبه من معتقدات أدبية أو فلسفية أو أيديولوجية، وربما عقائدية أيضًا، وعلى محتوى ومضامين هذه الأسس يكون الحكم على مدى ثقافة المجتمع الكلية، ومعرفة انعكاس هذا التشبع على معاملات الفرد اليومية مع مجتمعه الذى يبدأ من البيت والشارع والحى من حيث النظام والنظافة والالتزام بالأعراف السائدة داخل المجتمع بكل طوائفه وانتماءاته.

فلنقُل إذن إن «الثقافة» ـ بشكلٍ عام ـ هى مجموعة العادات والتقاليد والقيم الإيجابية السائدة فى المجتمع، مع الحذر كل الحذر من إدمان اعتناق « الثقافة الاستهلاكية « التى سادت منذ فترة ليست بالقليلة ـ للأسف ـ داخل مجتمعاتنا المصرية والعربية والشرقية، وهى التى تنسف فى طريقها كل مظاهر الجمال المادى والمعنوي: المادى باعتياد العين على مشاهدة مناظر ومظاهر القبح والاعتياد على وجود «أهرامات القمامة» فى أركان الشوارع والحدائق لتصبح جزءًا لايتجزأ من المشاهدات اللحظية اليومية، والقبح المعنوى الذى يؤدى إلى جفاف وضمور شرايـين أجهزة الاستشعار الروحى والوجدانى داخل النفس البشرية عامة، فلا يشعر المرء بمدى القُبح الذى يطمس بوصلة البحث عن الجمال، لتستوى كل الأشياء تحت نظره ومشاعره!

ولنأتِ الآن إلى القول الفصل، والذى من أجله تكبدت مشقة البحث عن المعانى التى يجب أن تسود للثقافة المادية والمعنوية داخل المجتمع، ومن هى الجهة المنوط بها غرس ـ أو زرع ـ بذور ثقافة الجمال فى أعماق تربة المجتمع، لتصل بأفراده إلى تذوق جمال الثقافة فى كل مظاهرها المادية والمعنوية؟

ولكنى  إحقاقًا للحق ـ أعترف وأقول: إننا من تركنا هذه البذور للعطن والتعفن والذبول والموت، يوم تحولت «غرفة الموسيقى» و»غرفة الرسم والصلصال» و» حصة الألعاب البدنية» فى المدارس.. إلى «فصول» تتكدس فيها أجساد بلا روح، تتعلم ـ بالكاد ـ أن تفُك الخط!

ولكن تبقى المعضلة التى يتوجب علينا إيجاد الحلول لها، وهى كيف نصل بالمواطن العادى إلى القناعة التامة بأساليب الثقافة الإيجابية: المادية والمعنوية.. الواجب اتباعها، والوقوف على طرق تعريفه بأنها الوسيلة الوحيدة والمثلى لإشباع حاجاته النفسية والاجتماعية، للانصهار ضمن منظومة المجتمع الذى يتنفس بين جدرانه، ليصبح الكل فى واحد؟!

تلك هى مسئولية المؤسسات السيادية فى الدولة، خاصة القائمة على رسم السياسة التعليمية للأجيال الصاعدة، بالتضافر والتوازى مع من يملكون ريشة تجسيد «لوحة الثقافة» على أرضية وسماء المجتمع، وتلك مسئولية لو تعلمون عظيمة فى ظل العشوائية التى تتخبط فيها «السياسة التعليمية» التى تجمع تحت مظلتها أشكالًا تعليمية شتى، تتقافز بين مدارس ومعاهد التعليم اليابانى والإيطالى والألمانى ومعاهد اللغات الحيَّة، والمعاهد الدينية التى تمنح «كتب التراث» مركز الصدارة، دون التركيز على مفاهيم إعمال العقل والمناداة بـ» تجديد الخطاب الدينى»، تلك الدعوة التى طالما نادى بها القائد والزعيم/عبدالفتاح السيسى فى العديد من المؤتمرات الشبابية ولقاءاته الدائمة مع رجالات القوات المسلحة، الأمر الذى صنع هذا التضارب الموجود على الساحة المصرية ـ الآن ـ فى مفاهيم الثقافة الجمعية، لأن المجتمع تحوَّل إلى مايشبه «الجُزُر المنفصلة»، ولكل جزيرة ثقافتها وسلوكياتها وعاداتها، ومن الطبيعى فى هذا المناخ ألا تتوحد الأهداف والمطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية!

فهل من توقف لالتقاط الأنفاس اللاهثة فى ماراثون محاولة «إصلاح السياسة التعليمية» لتوحيد المقامات فى معادلة الثقافة المنشودة للمجتمع؟

ترى.. هل سأجد العديد من الدوائر، نتيجة لإلقائى هذا الحجر فى هذه «البِركة الآسنة» ـ بكسر الباء ـ للتعليم فى مصرنا المحروسة؟

على أحر من الجمر.. ننتظر الإجابة الشافية، للتعرف على مفاهيم ومضامين «ثقافة الجمال».. التى تصل بنا إلى أن نتذوق « جمال الثقافة»!

أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون