عودة الروح إلى شبابنا الواعد
إن الشباب «نصف» الحاضر؛ و«كُلْ المستقبل» صدق من أطلق هذه المقولة، ولسنا بصدد البحث والفحص والتمحيص؛ فيمن قال هذه العبارة الصادقة والمخلصة، ولا إلى أية ثقافة وحضارة ينتمي، ولكننا على ثقة بأنه صاحب استشراف لمكونات المجتمعات البشرية التى تقوم ويعلو بنيانها على قوة وإرادة عقول الشباب وأفكارهم .. قبل عضلاتهم!
ولقد حرص الاستعمار -القديم والحديث- الذى سيطر على خريطة جسد الوطن العربى وقلبه ورأسه مصر ـ بأن يبث فى عروقه وأوردته وشرايينه سموم المخدرات بكل أشكالها وأنواعها بين قطاعات الشباب فى البدو والريف والحضر؛ لأنه يعلم تمامًا أثر تعاطى وتجارة تلك المخدرات ـ ليس على الأجساد والعقول فحسب ـ على دورة النشاط الاقتصادى للدولة ومحاولة إضعافه وتفتيته للهيمنة والسيطرة عليه! ونحن بالضرورة نعرف ألف/باء النظريات الاقتصادية كما يشرحها أساتذة وعلماء الاقتصاد فى مدرجات العلم والتحصيل بمدارسنا وجامعاتنا؛ ولنلق نظرة سريعة لما يقولونه فى هذا الصدد؛ كى نقف وقفة الحزم ضد تفشى المخدرات فى جسد شبابنا واقتصادنا.
ولكن.. لندع جانبًا الحديث عن «علوم اللغة» وجمالياتها وقواعدها؛ لنحاول شرح علوم الاقتصاد وجمالياته وقواعده ومدى تأثيره الإيجابى أوالسلبى فى الفرد والمجتمع والدولة، فالمعلوم ـ ببساطة شديدة ـ أن الاقتصاد يمثل حصيلة الدخل القومى الذى ينقسم إلى فرعين : أحدهما «استهلاكي» والآخر «إنتاجي» وهوالقطاع الذى يهتم بالمشروعات القومية الملموسة على أرض الواقع كإنتاج المصانع التابعة للدولة أوالأفراد، وتمثل مدخلاته القيمة المضافة للاقتصاد أوالدخل القومى عامة. أما الشق «الاستهلاكى» فالمقصود به مجموع الخدمات غير المنظورة التى لا تعطى عوائد مباشرة على قيمة الإنتاج المادي، ومنها ـ بطبيعة الحال ـ تجارة وتعاطى المخدرات ؛ فعوائدها لاتخدم إلا جيوب المنتفعين بها كتجارة؛ وضياع مدخرات جيوب المتعاطين كخسارة! وفى الحالين يخسر الاقتصاد تحصيل كل العوائد الضريبية المفترضة التى تصب فى جعبة الدخل القومى للدولة واقتصادها؛ وهوالاقتصاد الذى ترتكن إليه كقوة وركيزة وقاعدة انطلاق لتحقيق الزيادة المرجوَّة فى معدلات الدخل للفرد؛ بما يحقق له الرفاهية وتوفير المعيشة الكريمة للمجتمع ككل تحت سماء الوطن، وحتى لاتذهب تلك العوائد ـ مع دخان المخدرات ـ أدراج الرياح !
والخطورة لاتكمُن فقط فى تغييب عقول الشباب تحت تأثير المخدرات وشبحها الذى يؤرق الجميع؛ ولكن الخطورة فيما يسمى فى عُرف الاقتصاديين بـعملية «غسيل الأموال»؛ وهى لجوء المتاجرين فيها إلى إخفاء مصادر الدخل لهم لقناعتهم التامة بأنهم يقومون ـ بحسب توصيف علماء الاقتصاد ـ بـ«العمليات القذرة» التى تلجأ إلى التمويه والإيهام بأن تلك المدخلات مشروعة؛ غير عابئين بالآثار السلبية التى تنعكس على مكونات الاقتصاد القومي؛ وينتج عنها الكثير من المشاكل المالية والإدارية؛ وتكون النهاية بسقوط الدولة فى براثن التخبط والإفلاس وتزعزع مكانتها بين التجمعات الرأسمالية المحترمة فى العالم. ولنترك لسان حال خبراء الاقتصاد ـ بتصرف ـ للتحدث عن الآثار السلبية المترتبة على عمليات غسيل الأموال ذات العلاقة المباشرة مع تجارة المخدرات ؛ نلخصها فى سطور سريعة وبلغة بسيطة لإيضاح مدى تلك الخطورة .. إذ إن هذه العمليات تؤدى إلى التعامل مع المصارف الخارجية ؛ وهوالأمر الذى يسبب استنزافًا للدخل القومى وضمورًا فى دورة النشاط الاقتصادي؛ علاوة على الآثار السلبية فى سعر العملة المحلية؛ إذ ينتج عن العمليات القذرة المشار إليها؛ الأمر الذى يؤدى بحسب نظرية العرض والطلب ـ إلى تقلص ونقص قيمتها فى سوق العملات الأجنبية؛ مع زيادة الطلب على العملات الصعبة كالدولار والاسترلينى؛ وهومايُعد استنزافًا للاحتياطى النقدى الموجود فى خزينة الدولة؛ ويكاد يختفى الدعم الذى تفرضه الدولة لحماية عملتها المحلية من التقلبات الخطيرة فى سوق العمل.. وتؤثر بالتبعية على ميزانية الدولة.
والسؤال.. هل وصلت الرسالة؟
ما علينا سوى انتظار عمل الدولة وأجهزتها الرقابية والعقابية؛ والإسراع فى إحكام القبضة على «سوق المخدرات» المنتشر فى الشوارع الخلفية؛ والضرب على يد من يثبُت عليه ممارسة الجريمة الشنعاء هذه، ومن يشجع عليها، ولنا أن نعترف أنه ليس بالوسائل العقابية فقط يتوقف سريان هذا الداء اللعين الذى يستنزف عقول وقوى شبابنا؛ ولكننا نطمح فى زيادة حلقات وسائل التوعية عن طريق قصور الثقافة المنتشرة فى المدن والريف، وزيادة ساعات البرامج التليفزيونية الموجهة لتوعية الشباب بخطورة الانغماس والانجراف نحوتعاطى المخدرات؛ والتعريف بما نتج جراء هذا التعاطى من جرائم السرقة والخطف والاغتصاب والقتل، والتوسع فى عرض خلفيات حياة من أودت بهم دنيا المخدرات إلى قضاء بقية حياتهم خلف القضبان وحرمان الوطن من جهود فتوتهم وشبابهم الغض أوالعودة بالنفع على المجتمع والوطن.
كلى أمل فى ختام أسوقه فى ختام مقالى أن نتغلب على هذه الآفة لتعود الروح إلى شبابنا الواعد المستهدف،، وهو_ بحق_ ليس بالأمر المحال فالصين استطاعت عندما عقدت عزمها على الصحوة واليقظة وعاد شعبها إلى الحياة من جديد ماردا اصفر يعمل له ألف حساب.. يا لها من قدرة..يقينى أنها لاتنقصنا!
أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون