الإثنين 7 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وداعا لمن جعل من الخيال واقعا ملموسا

د.نبيل فاروق «رجل المستحيل» الذى زرع الانتماء وحب الوطن فى قلوب الشباب

من عالم المخابرات والمهام المستحيلة إلى حرب المستقبل الفيروسية والكيميائية وتعقيداتها وألغازها العلمية الدقيقة إلى عالم الزهور فى ثوبها الرومانسى ومشاعرها الرقيقة المبهرة إلى التاريخ وأغواره على صهوة جواد فارس الأندلس.. لم يترك بابا تلاحقه أحلام الشباب إلا وأهداهم مفتاحه الذهبى على أوراق كتب الجيب حيث تعلقت قلوبهم قبل عقولهم بصفحاتها الصفراء التى احتوت عالمهم الخيالى بكل تفاصيله من إثارة ودراما وألم ورومانسية 41 عاماً من الحلم والمغامرة حملت توقيع ملك روايات الجيب رجل المستحيل وصاحب ملف المستقبل د.نبيل فاروق الذى غيبه الموت عن عالمنا مساء الأربعاء الموافق 9 ديسمبر الجارى بعد رحلة مليئة بالخيال وأدب الجاسوسية متع بها عقول جيل الثمانينيات والتسعينيات والألفية الجديدة بعقديها فتربى على يده أجيال أدركت قيمة القراءة ومتعتها  ووقفت فى وداع عوالم نسجها لهم نبيل فاروق.



ولد نبيل فاروق رمضان بيومى فى 9 فبراير من عام 1956م فى مدينة طنطا  أخ وحيد لثلاث بنات وأب محاسب وأم ربة منزل ، بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة التحق بكلية الطب فى طنطا وتخرج منها بدرجة بكالوريوس فى الطب والجراحة عام 1980م. فى 2 مارس 1982م، انتقل إلى قنا فى دورة تدريبية لمدة شهرين، وبعد نجاحه فى الامتحان الإدارى انتقل ليبدأ عمله كطبيب فى بلدة أبودياب. فى عام 1985م، اقترن الدكتور نبيل فاروق بالدكتورة «ميرفت راغب»، وأنجب منها أطفاله الثلاثة: «شريف»، «ريهام» و»نورهان». بعد نجاح سلسلتى رجل المستحيل وملف المستقبل، اعتزل الدكتور نبيل فاروق مهنة الطب ليتفرغ كليًا للكتابة كمهنته الرئيسية، وانتقل للعيش فى منشية البكرى بمحافظة القاهرة فى أغسطس عام 1990م.

بدأ نبيل فاروق اهتمامه بالقراءة منذ طفولته، حيث كان يقرأ كثيرًا، وكان والده يشجعه على ذلك. بدأ محاولات الكتابة فى المدرسة الإعدادية. وانضم إلى جماعة الصحافة والتصوير والتمثيل المسرحى فى المدرسة الثانوية. قبل تخرجه من كلية الطب بعام واحد حصل على جائزة من قصر ثقافة طنطا عن قصة «النبوءة»، وذلك فى عام 1979م، والتى أصبحت فيما بعد القصة الأولى فى سلسلة كوكتيل 2000.

كان لمهنة الطب دور كبير فى دعم اتجاه نبيل فاروق نحو الكتابة حيث جذبته نحو الكتابة تدريجياً حتى اعتزل الطب نهائياً وعن ذلك قال :دراستى للطب دعمت اتجاهى للكتابة فى مجال الخيال العلمى باتباع المنهج العلمى فى التفكير، مثل المخبر الخاص فى تحليله للقضية، مجموعة من الأدلة يتتبعها للوصول لحل اللغز.. ثم تلاها دراستى للتصوير الفوتوغرافى ودبلومة فى الفوتوشوب و13 سنة قضيتها فى دراسة «الأمن والمخابرات» فمزجت بين هذه التركيبة فى التفكير والكتابة.

مجموعى فى الثانوية العامة أهلنى لحلم الالتحاق بكلية الطب، وإن لم ألتحق بها، لأهدر أهلى دمى آنذاك تضامناً مع خدعة عماد حمدى فى الأفلام بأن الطبيب يملك عيادة وعربية وفيللا.

لكن هواياتى واهتماماتى بعيدة تماماً عن كل ذلك فأنا أعشق الرسم إلى جانب الكتابة، وكان حلمى الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لكن وقفت بينى وبينها جملة والدى المشهورة «الفن يمكنك أن تمارسه لكن الطب شهادة تمكنك من العمل والزواج بها أيضاً» لكننى اشتهرت بين زملائى بمعارض الرسم والكاريكاتير على وجه الخصوص وكنت أمينا للجنة الفنية بالكلية، أما الكتابة فكانت حبيسة دفاترى الخاصة فى المنزل وفاجأهم ظهور اسمى ككاتب مع أول رواية نشرت عام 1984 وظنوا وقتها أن غلافها تصميمى لا الرواية.

بداية التحول الجذرى فى مسيرة نبيل فاروق الأدبية كانت فى عام 1984م عندما اشترك بمسابقة لدى المؤسسة العربية الحديثة بجمهورية مصر العربية وفاز بجائزتها عن قصته أشعة الموت والتى نشرت فى العام التالى كأول عدد من سلسلة «ملف المستقبل» وهى سلسلة متخصصة من أدب الخيال العلمى يكتبها الدكتور نبيل فاروق، وهى تحكى مغامرات الفريق العلمى المصرى بقيادة الرائد نور الدين محمود والذى يعمل فى المخابرات العلمية المصرية فى المستقبل ، ويهدف إلى كشف الألغاز العلمية المختلفة التى تواجه المخابرات العلمية المصرية.

تعد سلسلة ملف المستقبل من أوائل السلاسل العربية المختصة بأدب الخيال العلمى على الإطلاق، وهى تصدر عن المؤسسة العربية الحديثة فى جمهورية مصر العربية، منذ عام 1984 حتى 2010، وصدر منها حتى الآن 160 عدداً، آخرها هو «نهاية العالم» وهو العدد الأخير، ويحمل رقم 160 ، صدر فى معرض الكتاب الدولى يناير 2010.

وعن نبوءته بفيروس جديد فى روايته «بصمة الموت» قبل ظهور فيروس كورونا بسنوات طويلة قال: «توقعى فى بصمة الموت بفيروس جديد أساسه التنبؤ العلمى المبنى على حقائق ودراسات، وتنبأت بأن هناك فيروسات محورة كان مبنى على قراءاتى عن طبيعة الفيروسات وكيف يمكن أن تتحول ويصبح كارثة على العالم زى ما حصل مع فيروس كورونا ،وأتوقع أن فيروس كورونا سيأتى عليه مرحلة ويتوقف تأثيره سواء بعد حدوث مناعة جماعية أو مع انكسار طوره الخطير أو حتى بعد ظهور اللقاحات».

واستطرد: «توقعى بفيروس كورونا ليس الأول، وسبق وأن تكلمت فى رواياتى عن الاستنساخ وغضب ناس كثيرون منى واتهاجمت كثيرًا بعدها».

مع بداية عمله بالكتابة كانت علاقة نبيل فاروق بإدارة المخابرات المصرية قد توطدت بشكل ما، ممّا سمح له بمقابلة ضابط مخابرات مصرى، استوحى واقتبس منه شخصية أدهم صبرى فى سلسلة رجل المستحيل التى عرفت نجاحًا كبيرا فى الوطن العربى على مدار أربعة عقود وعنها حدثنا نبيل فاروق فقال: حياتى كلها كانت بفكر أدبى بحت، قضيت فترة التكليف أحمل حقيبة بها مجموعة من كتب «دار المعارف» بالقاهرة إلى وحدتى بالجبل فى الصعيد أسبوعياً، فقرأت كمية كتب كبيرة جداً ساعدتنى على تأسيس مكتبة خاصة ضخمة، واتجهت وقتها إلى وضع خطوط محددة لشخصية رجل المستحيل، فمادام للغرب أبطال تميزه مثل «أرسلو بين» «شارلوك هولمز» لماذا لايكون هناك بطل مصرى معاصر؟ - بعيداً عن «أبوزيد الهلالى» و«الزناتى خليفة» من الأدب الشعبى - ووضعت خطوطًا عريضة لهذه الشخصية، على أمل أن يأتى يوم ما لتصنع هذه الشخصية ولم يخطر ببالى أننى من سأقوم بكتابتها.

وبالفعل  كتبت أول رواية لرجل المستحيل فى البكالوريوس وعرضتها على دور النشر فسخروا منى وطردونى دون قراءتها فقد استفزتهم فكرة البطل الفردى وأكدوا فشلها، فأخرجت عزلة باولو كويلوا من داخلى وتفرغت لتكليفى كطبيب للعمل فى منطقة فى الصعيد تدعى «كولة أبو ليلة» أى مرتفع أبو ليلة الجبل والعزلة، وقد روى عنها العديد من القصص الغريبة فقررت معاينتها من أعلى الجبل، كان هناك رسم تخطيطى لدوائر بمساحات كبيرة ومنتظمة لا يعقل أنها لبشر، وجاءتنى فكرة لرواية محورها الخيال العلمى، وبعد فترة التكليف تفرغت لكتابة أول رواية فى «ملف المستقبل» وتقدمت بها إلى مسابقة مجلة عالم الفكر، وكانت المرة الأولى التى يقيم فيها عملى بالقراءة، وطلب منى السيد حمدى مصطفى مدير المؤسسة العربية الحديثة أعمالا أخرى فعرضت «رجل المستحيل» وتعاقدت معه على «ملف المستقبل» و«رجل المستحيل» فكانت المؤسسة ومازالت منذ ذاك الوقت أكبر مركز تفريغ للأدباء المصريين الشباب.

ولقد دعمت دخولى بدراسات شخصية لتاريخ المخابرات والتجسس والأمن الجنائى ولقد حصلت على شهادة أمريكية «مخبر خاص» بالمراسلة حتى يمكننى نقل هذا العالم بجوه المثير إلى الشباب ، وتعاملت لأكثر من 25 سنة  مع قصص حقيقية من المخابرات المصرية  مما تطلب التعامل مع رجال المخابرات مباشرة والحصول على موافقات من جهاز المخابرات وفقاً للقانون رقم 100 لسنة 1971 والمعدل للقانون رقم 1 لسنة 1980، فقد التقيت بشخصيات صححت لى مفاهيمى وبدأت أخذ المعلومة من مصادرها، وكن صورة واقعية لرجل المخابرات وليست خيالية مثالية فما رأيك بإنسان يضحى بحياته دون أن يكشف عن هويته، لا هدف له إلا حماية الوطن من الخطر الخارجى الذى لا يكشف عن هويته «مجهول يحارب مجهول» ويؤمن بالصادات الثلاثة «الصمت الصبر والصمود»، هناك موجة تهاجم المخابرات وتسخر من كل الرموز، شباب يتحدث عما يجهل، تغذية المجتمع بمفاهيم ضده كأمراض المناعة التى تهاجم الجسم وهو ما يسمونه «حرب الجيل الرابع».

أكد فاروق على أن «جاسوس سيناء» هى أول قصة مخابراتية مرسومة بطلها طفل، مشيرًا إلى أنها كانت أول قصة جاسوسية تقدم مرسومة على ورق.فهذه القصة عبارة عن قصة طفل مصرى كان يرعى الأغنام يقرر مساعدة المخابرات المصرية التى كانت تدير حربًا مع إسرائيل بعد نكسة 1967م.وتابع فاروق: «مكنتش متوقع نجاح هذه القصة، وما جذبنى فيها أنها أول قصة جاسوسية مصورة بطلها طفل، وحصلت على جائزة إبداع أكتوبر عام 1998 وبجائزة الدولة التشجيعية من قناة النيل الثقافية».ومؤخرًا، قام قسم دراسات الشرق الأوسط فى جامعة فرجينيا الأمريكية بإنشاء موقع خاص للدكتور نبيل فاروق. 

ومن ناحية أخرى قال إن نجاح سلسلة كتب رجل المستحيل أساسه تكنيك الكتابة القائم على عنصر المفاجئة، مضيفًا: «اخترت أحمد عز لأداء دور بطل رجل المستحيل من إحدى الصور فى مكتب «ريجيسير» قبل 21 سنة، ولكن المشروع توقف بعدها».

فى شهر أكتوبر من عام 1998، فاز الدكتور نبيل فاروق بالجائزة الأولى فى مهرجان ذكرى حرب أكتوبر عن قصة «جاسوس سيناء: أصغر جاسوس فى العالم». ومؤخرًا، قام قسم دراسات الشرق الأوسط فى جامعة فرجينيا الأمريكية بإنشاء موقع خاص للدكتور نبيل فاروق.

لم تقتصر إبداعات نبيل فاروق على سلسلتى رجل المستحيل وملف المستقبل التى اقتصرت على 160 عدداً وإنما تعدد إنتاجه الغزير على مدار أربعين عامًا فكانت هناك سلسلة الأعداد الخاصة، 28 عددًا «آخرها «قلعة الشر» و “رجل المستحيل”، سلسلة «ع × 2»، 57 عددًا آخرها «قضية الدقائق الأخيرة» و57» وسلسلة «زهور» الرومانسية  صدر له فيها 30 عددًا ، سلسلة كوكتيل 2000، «زووم»، «فارس الأندلس»، «روايات عالمية للجيب» ،»أوسكار»،»سيف العدالة»، «بانوراما».

كما كان فاروق يكتب صفحتين بشكل شهرى بمجلة الشباب منذ أكثر من 10 سنوات كما يكتب بشكل أسبوعى بجريدة الدستور الإصدار الثانى، على الرغم من أنه كان مادة للنقد الممتزج نوعا بالسخرية بأحد أعداد جريدة الدستور الإصدار الأول فى حقبة تسعينيات القرن العشرين.وله مشاركات فى أكثر من مجلة ودورية عربية، نذكر منها مجلة «الأسرة العصرية» ومجلة «الشباب» وملحق «صبيان وبنات» الذى يصدر مع صحيفة «أخبار اليوم»، ومجلة باسم. تتنوع هذه المشاركات ما بين الحلقات المسلسلة لخفايا عالم المخابرات وقصصه الحقيقية، وصولاً إلى المقالات العلمية بشتى مجالاتها.