الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 37

لغة الجينات 37

فيه ناس لا تنسى الفضل، وفيه ناس زى القطط بتاكل وتنكر.. «ناكر الجميل» فى الظاهر 



لا يشكر الناس، لا يعترف بفضل أحد عليه ،وفى الباطن هو أكثر الناس بلا قلب، بلا ضمير، بلا إحساس،مستعد للتضحية بأقرب الناس إليه من أجل مزيد من المناصب والمكاسب. 

«ناكر الجميل» يمتلك جينات خبيثة تزين له الطعن بسكين باردة  فى كل من قدم  له معروفا.. فى الظاهر يدعى أنه مظلوم وأن الشكر بالفعل وليس بالقول، وأنه محسود وأعداء النجاح يشوهون إنجازاته الفظيعة.. وفى الباطن لا يشكر بالفعل ولا بالقول، لا يعطيك سوى الندم على مساعدته، وكلّما عاتبته وشكوت له تَكبَّر.

«ناكر الجميل» فى الظاهر لا يتردد فى لعق كل الأحذية للوصول لمنصب أكبر.. وفى الباطن لا يتردد لحظة  فى قطع رقبة من لعق حذائه يوما ،لمجرد أن دوره انتهى وابتعد عن منصبه ،لا يضيع الوقت فدائما يبحث عن سيد يلعق حذاءه.

ما تحاولش تفهم ليه أكتر حد ساعدته أنكر الجميل.. ولا ليه أساء لك.. ولا ليه أكتر ناس وقفتم جنبها باعتك ببساطة.. ساعات مجرد محاولة الفهم و البحث عن أسباب منطقية بتكون عملية مؤلمة جداً.. ساعات العلاج الوحيد للظلم و قلة الأصل ونكران الجميل بيكون النسيان والتجاهل.. انسوا اللى ظلمكم وتجاهلوا اللى أساء لكم لأنه ما يستاهلش إن يشغل جزءًا من الذاكرة.

لكن زى ما فيه نكران للجميل وجينات خبيثة.. فيه ناس ربنا اصطفاهم وأعطاهم جينات أصلية لا ينكرون الفضل بينهم، حتى لو كان هذا الفضل شجرة .

«الشيخ محمود خليل الحصرى» صاحب جينات أصلية وكرامات كثيرة، فى الظاهر أهم من قرأ القرآن، وفى الباطن كان ينسب الفضل لأهله حتى لو كانت شجرة، فالشيخ الجليل، الشهير، والذى جاب الأرض وقرأ القرآن فى كل مكان يستحى أن يمر راكبًا على شجرة بالقرب من قريته التى عاش فيها.

«الشيخ الحصرى « كلما ذهب لزيارة قريته «شبرا النملة» فى محافظة الغربية يتوقف بسيارته  قبل الوصول لشجرة فى مكان محدد وينزل ليسير بضع خطوات ثم يعود لركوب السيارة، فلما سُئل عن سر ذلك، قال إنه حفظ القرآن فى ظل هذه الشجرة ويستحى أن يمر أمامها راكبا فهى ذات فضل عليه.

«الشيخ الحصرى» فى الظاهر ذكر فضل هذه الشجرة التى استظل بها وهو يحفظ كتاب الله، وفى الباطن اشترى الأرض من صاحبها وبنى عليها مسجدًا ومعهدًا أزهريًا «ابتدائى وإعدادى وثانوى»، قويت جذور الشجرة وامتدت فى جوف الأرض لتنمو فروعها لتظلل على الناس، وتعم ثمار خيرها على الجميع.. أصبحت الشجرة منارة القرية وسبيل أهل القرية ومن حولها لتعليم القرآن الكريم وعلومه.

الجينات الأصلية «للشيخ الحصرى» أعلنت عن نفسها مبكرا جدا، والده فى الظاهر إنسان بسيط مكافح يصنع «الحصير» وفى الباطن يعده القدر لينجب من اصطفاه الله ليظل صوته حافظا لكتاب الله، ويكون أول من سجل القرآن كاملا بصوته.

«والد الشيخ الحصرى» فى الظاهر كان كلما رأى مسجدًا أو مصلى جدد «الحصير» الذى يصلى عليه الناس، وفى الباطن كانت تأتيه رؤيا عجيبة!

رأى عمودَه الفقرى يتشكل ويتدلى عنقوداً من العنب، والناس تأتى جماعات جماعات، يأكلون من عنقود العنب، وعنقود العنب لا ينفد !

و لمّا تكرّرت الرؤيا.. ذهب لأحد الشيوخ وقصّها عليه، فسأله الشيخ إن كان له ذرية، 

قال: ولدى محمود عمره عامان، قال الشيخ: ألحِقه بالأزهر، يتعلّم العلوم الشرعية، فسوف يكون له شأن كبير.. ألحَقَه بالأزهر وختم محمودُ القرآنَ فى عمر الثامنة.

«الشيخ الحصرى» فى الظاهر ظل يقرأ القرآن فى المساجد التى عمل بها موظفا،وفى الباطن اصطفاه الله تعالى ليكون بابًا من أبواب حفظ كتابه، فهو صاحب الجمع الثانى للقرآن، فإذا كان سيدنا عثمان بن عفان جمعه مكتوبًا؛ فالحصرى جمعهُ مسموعًا، ولقد تهيأ للشيخِ الحصرى من اللهِ الاصطفاء والعطاء الربانى ما لم يتهيأ لغيره، فقد خصه باصطفائه مُحسناً، وللقرآن حافظاً، ولأحكامهِ معلماً.

فى عام 1960 انتشرت طبعات محرفة من القرآن الكريم، فرأت الحكومة أن تواجه هذا الأمر بطباعة وتسجيل القرآن الكريم بشكل متقن ومجود لعدم السماح بأية فرصة لتحريفه،وبالفعل تم الإعلان عن البحث عن قارئ لتسجيل القرآن الكريم بصوته وعلى كل متقدم أن يكتب فى مظروف مغلق، المقابل الذى يراه مناسبا ليحصل عليه بعد التسجيل، وفى واحد من تلك المظاريف وجدوا أحدهم قد كتب «لا أتقاضى أجرًا على تسجيل المصحف» كان هذا هو الشيخ الحصرى، الذى سجل القرآن كاملاً لأول مرة بصوته برواية حفص عن عاصم.

«الشيخ الحصرى» فى الظاهر سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية موفدًا من وزارة الأوقاف للمسلمين هناك عام 1970 وفى الباطن أشهر 18 أمريكيًا إسلامهم على يده بعد سماعهم تلاوة القرآن الكريم منه.

وفى ديسمبر 1977 رافق الحصرى السادات فى زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، وقرأ القرآن الكريم فى الكونجرس الأمريكى، فكان أول من قرأ القرآن داخل الكونجرس.

وفى نفس العام، كان الحصرى أول من قرأ القرآن الكريم فى الأمم المتحدة فى أثناء زيارته لها، بناء على طلب الوفود العربية والإسلامية التى شاركت فى تلك الجلسة.

وفى العام التالي، كان الحصرى يرتل القرآن الكريم فى القاعة الملكية وقاعة هايوارت المطلة على نهر التايمز فى لندن.

أصحاب الجينات الأصلية هم الأبقى والأصلح، فصانع الجميل والمعروف والذى ينسب الفضل لأهله، لا يقع، ولو وقع فى الظاهر.. فى الباطن لا ينكسر. فأعلم أنه  ليس عليك أن ترد الجميل، ولكن كن أرقى من أن تنكره.