الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 38

لغة الجينات 38

ما بين الوهم واليقين شعرة ، لوتعدتها هتدخل فى مرحلة «صانع وهم» هتبقى من أصحاب الجينات الخبيثة.. فى الظاهر بتقدم نفسك على أنك مظلوم، مضطهد، الناس لا تعطيك قدرك، مافيش حد بيقدر خدماتك الجليلة ولا رؤيتك الثاقبة فى كل المجالات، ولا فيه حد بيقدر مواهبك العظيمة المدفونة واللى بتظهر فى كل اتجاه ،السياسة ، الثقافة، التصوف ،الفن ،الإعلام، كتابة الشعر وحتى التأليف الموسيقى والتمثيل ، وفى الباطن بتحترف صناعة الوهم.. بتغرق فيه وبيساعدك، مطبلتية وحملة مباخر، متزلقون ومتملقون ومبرراتية، بيشوفوا اللى بتعمله إبداع عظيم، رؤية وإلهام ..  الوهم اللى بيسيطر عليك  بيقدم للناس جبال من الألم بتخلى  الحياة ملهاش طعم.. بتاخد حق ناس تانية بتتعب وتشقى وعندها يقين بموهبتها .. بتقتل إبداع حقيقى وتشكك أصحاب الجينات الأصلية والمواهب فى قدرتهم.



«صناعة الوهم» فى الظاهر ممكن تلخبطك تصيبك بالارتباك والقلق والخوف والتوتر ..وفى الباطن بتفقدك يقينك .. بتحولك لشخص تانى ماتعرفوش .. زى الفلاح اللى سحب خروف وراه علشان يبيعه فى السوق فشافه 4 حرامية قرروا يسرقوه بطريقة جديدة.. فكل واحد انتظر الفلاح على الطريق فى مكان مختلف .

فى الظاهر الحرامية عملوا فيها مصلحين ومتقين.. وكل ما يمر الفلاح على واحد منهم يسأله أنت رابط الكلب وسحبه وراك كده ليه.. حرام عليك سيبه بحريته.. فى الباطن الفلاح كان عنده يقين أن اللى سحبه خروف مش كلب ورايح يبيعه فى السوق.. فى الأول ابتسم وقال ده راجل مجنون.. فى المرة التانية بدأ يشك وبص على الخروف وكمل الطريق .. مع التالت كان تحول يقينه لشك كبير فى نفسه وفى عينيه .. ولما وصل للرابع اعترف أنه غلط وربط الكلب بدل الخروف وفك الحبل.. ورجع بيته يدور على الخروف.  

«أصحاب الجينات الأصلية» لا يعرفون الوهم ولا صناعة الوهم.. يقينهم نابع من البذرة الطيبة فى نفوسهم .. فى الظاهر والباطن  بذرة النور بداخلهم بتكشف لهم الحقيقة .. بتحركهم نحو الخير .. وبتبعدهم بسرعة عن أصحاب الجينات الخبيثة ومحترفى صناعة الوهم .

«الدكتورة توحيدة عبدالرحمن» من أصحاب الجينات الأصلية .. فى الظاهر هى أول طبيبة يتم تعيينها بالحكومة المصرية بعد دراستها للطب لمدة 10 سنوات فى لندن ورفضها عرضا بريطانيا للحصول على الجنسية والاستمرار فى عاصمة الضباب .. وفى الباطن لم تتردد لحظة للاستغناء عن لقب «الهانم» والذى أنعم عليها به الملك فؤاد  الذى كان لا يمنح إلا لسيدات الأسرة المالكة .. الدكتورة توحيدة بفطرة سليمة رفضت أن توقع الأوراق التى تقدم لها مقترنة باسم «الهانم» و أمرت سكرتيرها بشطب لقب الهانم وتقديم الأوراق الرسمية بدونه، فقد كانت راضية وفخورة ومكتفية بلقب الطبيبة.

«الدكتورة توحيدة» وبحسب كتاب يؤرخ لسيرتها صاغه بروعة الزميل مؤمن المحمدى ومقال جميل للزميل أيمن الحكيم ، ظلت فى الظاهر تعمل وتجتهد وترفض أن تفتتح عيادة خاصة فالطب والعلاج حق للناس جميعا ...واستمرت تعمل فى «مستشفى كتشنر الخيرى» الذى أصبح فيما بعد مستشفى شبرا العام .. وفى الباطن ظلت طوال عمرها تعيش اليقين مؤمنة بمقدرتها على فعل المستحيل .. حتى عندما أنجبت طفلة مصابة بإعاقة ذهنية .. لم تتركها لحظة وأصرت على تعليمها وتثقيفها .. أعطتها الثقة فى نفسها وأصرت أن تلقى كلمة فى فرح شقيقتها والذى حضره الرئيس عبدالناصر تكريما لزوجها القاضى الجليل محمود عبداللطيف والذى حكم فى «قضية السيارة الجيب» المتهم فيها إخوان عام 1951  وحاولوا اغتياله فى فيللته بالمعادى .. ووقتها نجت الدكتورة توحيدة بإعجوبة من الموت .. كما حكم فى قضية شبكة الجواسيس البريطانية عام 1956.

«الدكتورة توحيدة « فى الظاهر كانت تحب قضاء إجازتها فى حى الحسين ..وفى الباطن كانت جيناتها الأصلية تدفعها للبقاء وسط الناس الطيبين .. وهناك التقت بعراف هندى غريب  ..أصر على قراءة كفها .. وأخبرها باسمها ووظيفتها وأنها ستتزوج من قاض سيكون له شأن كبير، وستنجب منه سبعة من الأبناء: ثلاثة ذكور وأربع بنات... وهو ماتحقق بعد ذلك حرفيا .!

«الجينات الأصلية» للدكتورة توحيدة  ظلت ترفض الاستسلام لأصحاب الجينات الخبيثة وصانعى الوهم  .. فى الظاهر قدمت لها طبيبة  حديثة تعمل معها  طلبا للنقل رفضته لاحتياج العمل إليها خاصة وفى « الستينيات» لم يكن عدد الطبيبات كبيرا  ..وبعد أيام عادت نفس الطبيبة  بطلب آخر للنقل وموقع من الوزير.. وهو مايعنى إجبارها على الموافقة .

الدكتورة  توحيدة لم تتردد لحظة فى تقديم استقالة مسببة من منصبها الكبير انتصارا لكرامتها ومبادئها، لحظتها شعرت بالإهانة من أصحاب الجينات الخبيثة ومحترفى تقديم الوهم وصناعته .. فقررت أن تثأر لكرامتها..  أعادت الطلب للوزير وعليه قرار منها برفضه، ومع الطلب المرفوض منها مرتين قرار منها بالاستقالة من منصبها.

فى الظاهر حاولت قيادات فى الحكومة إثناء الدكتورة توحيدة  عن قرار الاستقالة، ورأوا أمام إصرارها أن يعلقوا القرار حتى تهدأ وتسترد أعصابها، وفى الباطن كانت جيناتها الأصلية تصر على القرار ولدرجة أنها ذهبت بعد ثلاثة شهور لتسوية معاشها ففوجئت بأن راتبها كاملا يصرف بانتظام ، فسحبت راتب الشهور الثلاثة وحولته بحوالة بريدية إلى الوزارة، وأصرت على الاستقالة وتسوية المعاش!

احذروا من أصحاب الجينات الخبيثة محترفى صناعة الوهم فممكن شخص واحد يهدم منظومة متكاملة .. يصيب موهوبين بالإحباط واليأس .. يقدم لهم جبالا من الألم والظلم والإحباط ..يسود الدنيا فى عيونهم .

احذروا من صانعى الوهم ..فالوهم الحقيقى هو اعتقادهم أنهم يرون كل شىء وهم  عمى البصر والبصيرة.

واعلموا أنه لولا تلك البذرة الطيبة التى بقيت صامدة رغم كل عواصف الألم التى تعصف بالروح ..لأصبحنا مثل محترفى صناعة الوهم، وحوش على هيئة إنسان.