الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فلاديمير مارسيليك.. أحد علامات تاريخ الفن البولندى

فلاديمير مارسيليك.. أحد علامات تاريخ الفن البولندى

على الرغم من هذا العالم المخيف من سرعة التواصل فى ظل التكنولوجيا المرعبة فأننا فقدنا تواصلنا تماما بالفن الغربى وبالمستجدات على ساحته.. وأصبحنا وربما بفضل منظرينا الذين يفضلون النبش فى قبور آسنة لمدارس دفنت مثل التكعبية والسريالية والتخريفية (وهذه مزحة بالطبع) فهم بعيدون تماما عن حركة الفن التشكيلى الحقيقية فى العالم.. واليوم يدور حديثنا حول فنان كبير ومميز وله دوره فى حركة الفن التشكيلى الأوربى بل والعالمى أيضا وهو الفنان البولندى الكبير فلاديمير مارسيليك والذى يعتبر من طليعة الفن التشكيلى المفتوح الذى لا يؤمن بالمدرسة بشكل كبير فنحن وإن كنا نستطيع تصنيفه فى مدرسة الانطباعية الحديثة التى من أهم مميزاتها التركيز على مواءمة العمل الفنى للرسم التوضيحى الصحفى أو المطبوع مصاحب لنص ما ، ومع ذلك نستطيع أن نرى فى فلاديمير مارسيليك خصوصية تؤهله أن يكون مدرسة خاصة بذاتها ، لكننا إذا مارسنا عليه النقد بشكل دقيق سوف نصل للجذور الخاصة بفنه والتى كانت أبجديات أثرت فيه سواء من أساليب مدرسية أو من فنانين بعينهم.



فى البداية علينا أن نقول أن فلاديمير يعتبر من جيل الفنانين الجدد نسبيا فهو من مواليد عام 1960 لكنه تقنيا قد عاصر ثلاث مراحل فنية كان من أهمها مرحلة أنفصال الفن البولندى عن الفن الروسى ومحاولته الانفتاح على الفن الأوربى الغربى بجانب العودة لجذوره البولندية القومية ولكن هل استطاع الفن البولندى الأنفصال بشكل نهائى عن الفن الروسى بعد تحرر بولندا من النظام الشيوعى ودخولها حظيرة أوروبا من جديد ؟ الحقيقة أننا نرى أنه من المستحيل أن تضيع حصيلة سبعين عاما من سيطرة الذوق الفنى الروسى على الفن البولندى أو غيرها من بلاد أوروبا الشرقية وهذا ما نراه جليا فى أعمال فلاديمير فنحن نرى فيه تأثير الفن الروسى من ناحية المضمون ومن ناحية أخرى تعتبر أهم نقاط التأثير فى أعمال فلاديمير مارسيليك وهى تأثره بطليعة الفن التشكيلى الحر والمنفتح على يد الأستاذ الكبير مارك شاجال فنحن نكاد نجد فى فلاديمير شاجال جديد برؤى عصرية فلقد تبنى فلاديمير ما يعرف بفكرة الأجساد الطائرة والتى تشكل ركيزة أساسية فى أعمال شاجال سواء كان هذا الجسد الطائر فى الهواء منثنيا أو متخذا شكل الحركة الحرة لكنه فى النهاية يمثل نفس الفكرة التشكيلية وليست هذه النقطة فقط هى التى نستطيع أن نرصدها بين شاجال وفلاديمير بل إن عوالم فلاديمير اللونية تظهر لنا تأثرا كبيرا بنفس التقنيات اللونية لدى شاجال،ولعل الكثير من فنانى الأقاليم التى كانت تحت التأثير الروسى فنيا إبان الفترة الشيوعية لم تستطع التحرر بشكل كامل لكنها طوعت هذه التأثيرات لتصبح أهم مميزات الفن التشكيلى لهذه الأقاليم فنجد أن فلاديمير يسير فى نفس الإطار الذوقى والمذهبى مع فنانين من أماكن كثيرة مثل الفنان الجورجى ماموكا ديدباشفيلى والذين يشتركون فى مقاييس الجسد واتجاهاته فى فراغ اللوحة بل لعلنا نرى أنه لولا اختلاف الطرح اللونى والفكرة التعبيرية عند كليهما لكان من السهل علينا التوأمة بينهم.

بالنسبة لتأثير الجذور البولندية القومية على أعمال فلاديمير فأنها تبدو بشكل كبير فى مقاييس الجسد فى أعماله فهى تقترب بوضوح من مقاييس نحات بولندا الأعظم ستانسلاف شوكلاسكى والذى درسه بحكم دراسته فى قسم النحت ومن ثم تأثر بمقاييس الجسد البشرى الخاص به كما تأثر أيضا بمقاييس مخلوقاته النحتية الأخرى ونلاحظ ذلك فى حمائم فلاديمير التى تذكرنا بطيور ونسور شوكلاسكى.

تعتبر القضايا الرمزية التى يتناولها ذات طابع مميز وواضح فهو دائما يصور صراعا مزدوج الأقطاب فى لوحاته فهناك الصراع بين الإنسان وحريته وبين الإنسان والملل وبين الرجل والمرأة متمثلا فى الترميز للغواية بشكل ممنهج مثل التفاحة والعرى المحسوب وتضاد وضعيات الأجساد الأنثوية والذكورية.. وهكذا ولد فلاديمير مارسيليك عام 1960 فى بوميرانيا فى بولندا والتحق بأكاديمية الفنون العليا فى جدانسك ليدرس الفن التشكيلى فى قسم النحت وتتلمذ على يد أساتذه كبار من الجيل الماضى مثل جى كريشوفتش والبروفيسير باسزكوفيسكى والذى درس على يديه فى قسم الطباعة الفنية بالأكاديمية ، وبعد تخرجه عين مدرسا مساعدا بالأكاديمية ورئيس استوديو الجرافيك.

فى عام 2005 تم تصنيف مارسيليك ضمن أهم 100 فنان فى تاريخ الفن البولندى وأقيمت احتفالية كبيرة ومعرض لأعماله والتى تعدت الـ70 عملا بيعت كلها فى اربع ساعات فقط ، والأغرب من ذلك هو أن فلاديمير له حضور وقبول عالمى فى أوروبا وآسيا وتعتبر لوحاته الأكثر مبيعا فى أوربا واليابان خصيصا ففى عام 2011 أقام معرضا فى أكبر قاعات العرض فى طوكيو وضم 100 عمل من مقاسات مختلقة وكانت النتيجة أن الـ100 عمل بيعت فى اليوم الأول وتحت الإقبال الشديد استقدم من بولندا فى اليوم الثالث 200 عمل أخري وبيعت كلها فى يومين ووصلت مبيعات لوحاته فى خلال 12 يوما لـ500 لوحة وسجل هذا كرقم قياسى باسمه وأطلق عليه فى طوكيو فنان الشعب اليابانى.