الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«كشاف المصطلحات» كوسيلة للفهم

«كشاف المصطلحات» كوسيلة للفهم

فى إحدى قاعات متحف التحرير بالقاهرة وتحديدا قاعة الآثار الهيلنيستية توجد لوحة جدارية تعود للقرن الأول قبل الميلاد من أحد منازل الفيوم عبارة عن مشهد أسطورى شهير فيه أوديب وهو يقتل أباه لايوس ويقف بينهم كائن غير مرئى (عبارة عن سيدة) وكأنه شبح كتب فوق رأسه باليونانية (إجنويا) أى الجهل أو ربة الجهل، الحقيقة أن هذه اللوحة تحمل رموزا كثيرة بل عدة فلسفات وفتوحات عقلية عميقة حيث إنها تعبر عن مدى خطورة الجهل حيث قتل أوديب والده دون ان يعرف أنه والده أى أنه قتله بيد الجهل وهذا هو المدخل الذى نريد أن ندخل منه لقضية من أهم قضايا الفكر والحضارة تأثيرا على نمو العقل سواء الفردى أو الجمعى بل وأكثر من ذلك وهى قضية سوء الفهم أو الجهل ولعلنا كنا ومازلنا نقول أن سوء الفهم هو ذلك السلاح الذى نستطيع أن نذبح به جمال الأشياء ونحن واثقون أننا نفعل الصواب كأن نعتقد أن تمثال أفروديت مثلا يعبر عن العرى، إذن فإن سوء الفهم وهو أحد مستويات الجهل خليق بأن يدمر النتاج الفكرى لجيل كامل فى حضارة ما، نتحدث هنا عن وجه آخر من وجوه الجهل وهو سوء الفهم، وهذا ما تحاول أن تفعله عدة هيئات ثقافية ومجموعة من الجامعات من بينهم بروهلفتيا السويسرية وجامعة زيورخ بالاشتراك مع جامعتى أكسفورد وبرمنجهام فلقد تم منذ اسابيع وضع اللبنة الأولى لما يعرف بكشاف المصطلحات الفكرية والسياسية والفنية والذى سوف يكون جديدا من نوعه لأنه سوف يركز على التأصيل التاريخى للمصطلح وتعديله إذا كان أصيب فى عصر ما بانحراف فى تعريفه أو فى شرحه وهذا ما حدث لعشرات الآلاف من الاصطلاحات ومن ثم فإن الدور الأول لهذا الكشاف الجديد هو كشف غموض المصطلح وتعديل مسار انحراف الفهم المترتب على ذلك واثبات الأخطاء الشائعة فى استخدامه حتى يتسنى للمتلقى أو القارئ ايا كان سواء كان متخصصا أو مجرد قاريء هاو يتسنى له أن يقف على الحدود الحقيقية لمعنى المصطلح وكيف يستخدمه متجنبا الخطأ فى استخدامه.



ولكى نبين للقارئ مدى أهمية هذا الكشاف فعلينا أن نضع نصب عينيه العملية الحقيقية لإساءة استخدام المصطلح والتى كما قلنا تنتج أجيالا من المشوشين فكريا بل وسياسيا أيضا لأن الفكر السياسى ماهو إلا جزء من حصيلة الفكر ككل.

 وبالنسبة للمصطلحات الثقافية والفكرية فى عالمنا العربى والذى نراه فى أشد الحاجة لهذا الكشاف الجديد فحدث ولا حرج فالوجودية بعيدة تماما عن معناها الأصلى وخصوصا بين أنصاف المثقفين وسارتر فيلسوف مع أنه روائى فلسفى والعقاد هيجيلى مع أنه يعتبر مفكرا إسلاميا ويكاد يكون بعيدا تماما عن الهيجيلية وطه حسين مارق وعلمانى مع أنه ترك لنا الفصل والبوابة فى كيفية دراسة التاريخ الإسلامى دراسة عملية، لكن طه حسين الذى هاجم الطرق القديمة والمشافهة فى التعليم والتلقى لاقى حربا شعواء من هؤلاء الذين يقبعون فى الأقبية المغلقة ويفضلون العمى على البصيرة ولاقى من الهجوم والتهم ما لاقى، وهكذا فأن البعض قد يزيف المصطلح إما عن جهل به أو عن عمد حتى يدين فكرا ما أو مفكرا ما.

تأتى بعد ذلك منابر الاعلام التى تقوم بتأصيل الخطأ الشائع لأن مراجعة المواد المقدمة فى الإعلام سواء موجهة أو فنية تكاد تكون غائبة فلا يوجد مراجعات وتأصيل للمادة المقدمة ومن ثم يصبح الحب الأفلاطونى حبا نقيا عذريا طاهرا مع أن الحب الأفلاطونى كما عند أفلاطون الذى ينسب إليه هو حب يضم كل أنواع الحب حتى الغريزى منه لكنه يرتقى فى أعلى مراحلة ليصبح حبا لعالم المثل والحقيقة المطلقة، كما يتحول أيضا النخبوى إلى مجرم ورجل يعيش فى برج عاجي مع أن النخبوين هم الذين يضعون الأسس والقواعد الفكرية لأى مجتمع وهكذا فإن الإعلام هو أقرب الطرق الحالية لتفتيت المصطلح، وعلينا أن نصدق أن هؤلاء هم الخير المطلق مع أن الأناركية هى فكرة تدمير المجتمع ذاتيا عن طريق منهج لنشر الأنتقام الفوضوى بين جنبات الدولة المتسقة حتى تصبح محض صراعات أو حربا طبقية وأهلية.

الغريب فى ذلك أن العديد من الذين يستخدمون الاصطلاحات دون أن يعرفوا إطارها التاريخى وحدودها الحقيقة هم من من يعتقد العامة أنهم من صفوة المثقفين بل ووجهاء الفكر ولو قمنا بحصر عن هذه الأخطاء الشائعة وجدنا منها عشرات الآلاف فى الكتب والجرائد بل والمحاضرات الأكاديمية.

مشروع كشاف المصطلحات الجديد الذى سوف تقوم عدة هيئات بتمويله يشترك فيه أكثر من 400 مفكر وأكاديمى من جميع أنحاء أوروبا وسوف يستغرق أكثر من عامين ليكون جاهزًا للمناقشة ثم الطباعة وهناك 27 هيئة أستشارية تقوم بمراجعة كل ما يتم طرحه أولا بأول.