الترند.. وسنينه!
بُحت حناجرنا وأُنهكت أقلامنا من جراء المناداة بضرورة الالتزام بـميثاق الشرف الإعلامى الذى يخرج عنه بعض مقدمى البرامج بشكل يثير حفيظة المجتمع وتقف الدنيا ولا تقعد من زلة لسان من هذا أو ذاك، أو خطأ مقصود أو غير مقصود من محبى الشهرة واللاهثين وراء أعجوبة هذا الزمان المسمى بـ(الترند) على السوشيال ميديا، فبه يضربون عصفورين بحجر واحد الشهرة والمال فى آن معا، غير عابئين بما يرسخه سلوكهم هذا من أضرار ما أنزل الله بها من سلطان على أجيال ناشئة. لا يخفى على أحد أن الظهور الإعلامى يعطى صاحبه بريقًا لدى متابعيه من كل الأعمار والفئات الاجتماعية والثقافية المختلفة، وبطبيعة الحال يتخذه الكثيرون قدوة فى مناحٍ كثيرة رغبة منهم فى تحقيق الشهرة والنجومية، وبظهور موجة (الترند) انجرف الناس فى تياره فى انسياق غير محسوب العواقب ضاربين بعرض الحائط القيم الأخلاقية والعادات المجتمعية القويمة؛ بغية الحصول على قدر من الشهرة التى بهروا وفتنوا بها من قبل مع مشاهير الفن والإعلام بل السياسة أيضًا.
ولغياب الرقابة المطلوبة على الأبناء فى كثير من الأسر بسبب انشغال الآباء والأمهات فى توفير مطالب الحياة ولأسباب أخرى نعرفها أدى هذا إلى أن خرجت تصرفاتهم عن السيطرة، خاصة وهم مازالوا براعم فى عمر الزهور يريدون من الحياة مباهجها دون بذل جهد، إنه إيقاع عصرهم السرعة فى كل شيء، فيجدون ضالتهم هذه عن طريق إحدى وسائل تحقيق الذات المرجوة، فمن منا لا يحمل الموبايل المزود بالكاميرات، فما أيسرها من طريقة تحت أيديهم ليل نهار، منها تنطلق رغبتهم المحمومة متمثلة فى إعداد فيديوهات تنطوى على محتوى ركيك اعتباطى غير مدروس يبثونه عبر مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة لينتشر مثل الفيروسات سريعة العدوى ليكون (ترند) يذيع صيت صاحبه أو صاحبته ويحقق الشهرة من أسهل باب، حيث ترك الأخلاق والقيم على عتبته، واستحل كل شيء تحقيقًا لمأرب ليس له قيمة سوى إحداث فرقعة تعلو ثم سريعًا ما تنطفئ ليحل محلها وافد جديد يبث جديده الفارغ فى أدمغة فارغة تستهويها التفاهات فهى تمثل سوقًا لترويج هذا المنتج الذى يحمل السخف.
والمقيم لمعظم هذه الفيديوهات المصورة والأخبار الملفقة التى يستخدم فى إخراجها مباحات كثيرة بغيضة إلى النفس والروح على سبيل المثال لا الحصر يجد الأمر اللافت: فتيات يرقصن بشكل مقزز خادش للعين تصاحبهن موسيقى صاخبة تصم الآذان وتعبيرات وإيماءات تخلو من الحياء الذى يجب أن تتحلى به الأنثى ليزيدها جمالًا ينضاف إلى جمالها الأخلاقى والسلوكي، بل أيضًا نشاهد رجالًا يتمايلون بخلاعة تعلو وجوههم ضحكات بلهاء لا تنم عن رجولة أو حمرة خجل أو مروءة، ناهيك عن صنوف من مشاهد تحض على العنف والقسوة تجاه الإنسان والحيوان والطير يقوم بها أطفال صغار تموج بها فيديوهات تصبو فقط لأن تعتلى سفح الترند بأى ثمن!
يا إلهي! ما هذا الذى نعيشه ونعاصره فى زماننا الصعب بما فيه الكفاية؟! هل هذا ما نريده لشبابنا وأبنائنا وبناتنا وأطفالنا؟! هل هذه هى فكرتهم عن مجاراة عصر التكنولوجيا ومستحدثات الحضارة؟! هل حمى الترند التى تخلو من أية قيمة وتحدث هذا الشطط الذى يغيب العقول عن تمييز الغث من الثمين ستصبح هى المعيار لدى جيل بأكمله فى الكسب السريع للمال ومن ثم بلوغ الشهرة، والذى سيقابله بالضرورة آفة التقاعس والكسل عن التحصيل الدراسى والإلمام بالعلوم وجنى المعارف الحقيقية التى تشكل العقل والوجدان؟!
لاشك أن أبناءنا فى خطر لو تركنا لهم الحبل على الغارب دونما رقيب أو حسيب من الأسرة تتابع أنشطتهم التكنولوجية وتسهم فى توجيههم نحو الاستخدام الأمثل لها الذى يعكس قدراتهم ويؤجج ذكاءهم وميولهم الابتكارية والإبداعية وترشيد الوقت المخصص للتردد على مواقع التواصل الاجتماعي، والقيام بمراقبة السلوكيات التى ينتهجونها مقلدين فيها مجتمعات مغايرة تبعد كل البعد عما نشأنا عليه من قيم ومبادئ وعادات وتقاليد تعلى من قيمة العمل الشريف والحفر بالأظافر فى الصخر لجنى المال الحلال، والتمتع بالأخلاق الحميدة وصون النفس والعرض.
إن إدمان وسائل التكنولوجيا وسوء استخدامها يوقع البعض فى شرك المرض النفسى الذى يحتاج إلى اكتشافه فى لحظته حتى نسارع فى علاجه لدى المختصين من علماء النفس حتى ينقذوا المريض ويعيدوا تأهيله لمواجهة الحياة، وهو فى أولى مراحله حتى يسهل شفاؤه فيعود إلى طبيعته.
إنها مسئولية مجتمعية خطيرة لابد من الانتباه لها والتصدى بكل قوة أمام ما يحدق بمجتمعنا من مشكلات نحن فى غنى عنها حفاظًا على الهوية والشخصية السوية وليتنا نستن القوانين الملزمة لكل من تسول له نفسه العبث بمقدرات المجتمع وشبابه وأفراده بشكل عام بوضع عقوبات تدين كل من يقوم بتسجيل فيديوهات مخلة ومسيئة من أجل عيون الترند وسنينه.
الأخلاق يا سادة ثم الأخلاق، ولا نهوض لأمة دونها فهى رمانة الميزان لكل مجتمع صالح وقوى فى زمن لا يحترم الضعفاء بل يطيح بهم! ولا تنسوا أننا خير أمة أخرجت للناس كرمنا الله فلنحافظ على نعمه علينا!
أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون