الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
دولة القانون فى مصر

دولة القانون فى مصر

يشهد الواقع المصرى فى الآونة الأخيرة تجسيدًا حقيقيًا لدولة القانون.. وهى التى تقيد نفسها بنظام قانونى - تشريعى محدد، متجسدا بالسلطات الثلاث للدولة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بهدف تحقيق ضمان أفضل لنوعية الحكم ، وهذا هو المفهوم الدستورى الذى نظر له فقهاء القانون فأطلقوا مفهوم «الحكم الجيد» أو «الرشيد» أو «السديد» الذى له أبعاد تنموية، ويهيئ للتنمية البشرية أن تأتى فى طليعة محاور التنمية وأهدافها. 



 فقد حددت خارطة طريق ثورة يونيو 2013 استحقاقات ثلاثة لإقامة تلك الدولة القانونية (دستور – رئيس – برلمان)، ومن ثم وضعت أسس تنميتها ونموها البنيوى من واقع أنها دولة قانون، مستفيدة من تاريخها القانونى العريق، الذى كان سبيلها لإدراك تلك الغايات بوعى وإرادة وتحد. 

ودولة القانون فى تطبيقاتها الحديثة هى الدولة التى تخضع بدايةً لنظام قانونى ذاتى يمتد من الدستور إلى أبسط القواعد القانونية قيمةً (المذهب الوضعى)، وفقاً لمبدأ تدرج القواعد القانونية وتخضع أيضاً إلى مبادئ وقواعد غير منصوص عليها فى القانون الوضعي هذه القواعد الأخيرة منبثقة من طبيعة «دولة القانون» (مدرسة القانون الطبيعى). ويتوجب على جميع السلطات أن تتقيد بها، ويعد مبدأ الفصل بين السلطات أهم ضمانات دولة القانون، ويعنى أن كل سلطة تملك الوسائل الكفيلة بالحد من تعسف أو تجاوز السلطات الدستورية الأخرى. فإن الرقابة القضائية تعتبر الوسيلة الأمثل لصيانة وحماية حقوق وحريات الأفراد، سواء فيما يتعلق بخضوع السلطة التنفيذية أو الإدارة للقانون، أم فى خضوع السلطة التشريعية للدستور، فالسلطة التنفيذية، يجب أن تتفق أعمالها وتصرفاتها، كسلطة إدارية ليس مع أحكام الدستور فقط، بل مع أحكام القواعد القانونية الأخرى النافذة من قوانين عادية ولوائح تنظيمية استناداً لمبدأ المشروعية والقضاء هو الضامن والكفيل لتأمين احترام السلطة التنفيذية (الإدارة) لهذه الأحكام من خلال دعوى الإلغاء ودعوى التعويض عن أعمالها المادية وتصرفاتها القانونية (سواء اللوائح التنظيمية أم القرارات الفردية)، وكذلك فإن أعمال السلطة التشريعية يجب أن تدور فى حدود أحكام الدستور، وخاصةً فى إصدارها للتشريعات. فلا تملك السلطة التشريعية أن تخالف أحكام الدستور، فى نصها وفى روحها، من خلال القوانين الصادرة عنها. فأحكام القوانين يجب أن تكون متفقة مع أحكام الدستور، وذلك تحت طائلة بطلانها. وضمان أن تكون أحكام القوانين متفقة مع أحكام الدستور يتم عن طريق الرقابة على دستورية القوانين. وفى الحقيقة إن مفهوم دولة القانون ومضمونه هو من المفاهيم ذات الدلالات المختلفة باختلاف بعدى الزمان والمكان: السياق التاريخى والثقافى للأمم أو المجتمعات ،وهى تنطوى على صيغ مختلفة ترتبط بالتكوين التاريخى والثقافى للشعوب إلا أنها تشترك فيما بينها فى تحديد المفهوم العام لدولة القانون ، السلطة القضائية تعتبر الوسيلة الأمثل لصيانة وحماية الحقوق والحريات.

ووجود قضاء مستقل شرط أول لوجود باقى مقومات الدول، والرقابة القضائية لا قيمة لها إلا إذا كان القضاء مستقلاً، وقواعده القانونية (الشكلية والموضوعية) محددة ومعروفة مسبقاً (قاعدة: الجهل بالقانون لا يعتد به والتى تفترض النشر/أو الشفافية وفق مفهوم الحكم الجيد)، لا يمكن للسلطة (الإدارة) أن تخرقها. 

ومن أهم دعائم دولة القانون الإيمان بقيمة وأهمية الفرد والذى يعتبر إحدى الإيديولوجيات الأساسية التى تقوم عليها المجتمعات الديمقراطية. هذا الإيمان فى الواقع ناجم عن موروث تاريخى أفرزته الحضارات التى تعاقبت على هذه الدول. فالعصور القديمة ركزت وأكدت إنسانياً على الشخصية الإنسانية الحرة المسئولة، واقتصادياً على الملكية الفردية، واجتماعياً على العدالة. وقد جاءت الحضارة اليونانية اللاتينية على تنظيم ذلك فى إطار الدولة أو السلطة السياسية. ومن ثم أدخلت المسيحية على هذه الأفكار دقة ولهجة جديدة: ففكرة الإنسان الحر المسئول أعطيت مزيداً من القيمة من خلال التأكيد على النفس والخلاص الفرديين، وأكملت فكرة العدالة بفكرة الإحسان، ثم جاء الإسلام ليضفى على هذه القيمة الإنسانية للفرد والثقة به وفيه ضمانات وضوابط جديدة مكملة لما سبقها، وهو ما استفادت منه التجارب الدستورية والتشريعية لبناء وتعميق تلك المفاهيم فى الدول القانونية.  وبالقانون.. تحيا مصر