الجمعة 5 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
إشكاليات تعريف الإرهاب

إشكاليات تعريف الإرهاب

تظل إشكاليات تعريف الإرهاب موضوعًا متجددًا ومعروضا دوماً للبحث والمناقشة كلما تجددت حادثة أو ارتكبت جريمة طالها (أم يمكن أن يطالها) وصف الإرهاب. 



وقد عرف قانون مكافحة الإرهاب فى مصر رقم 94 لسنة 2015 المعدل بالقانون رقم 15 لسنة 2020 «الجريمة الإرهابية» - دون أن يحدد تعريف مفردة الإرهاب - فى الفقرة الثالثة من مادته الأولى، بأنها « كل جريمة منصوص عليها فى هذا القانون، وكذا كل جناية أو جنحة ترتكب باستخدام إحدى وسائل الإرهاب أو بقصد تحقيق أو تنفيذ غرض إرهابى، أو بقصد الدعوة إلى ارتكاب أية جريمة مما تقدم أو التهديد بها، وذلك دون إخلال بأحكام قانون العقوبات».

الواقع أن الإشكالية الكبرى تكمن فى تحديد تعريف مكون للوصف الحقيقى لدالة هذه المفردة (الإرهاب) من حيث التعميم والعد والحصر دون التعريف الصحيح والصريح لهذه المفردة.. وجدير بنا أن نتساءل فيما إذا كانت المفردة اشتقت من اللغة لتوصيف أفعال وقعت أم أنها ترجمة لتوصيف تلك الأفعال فى لغات أخرى؟ 

كان التعريف السائد للإرهاب على المستوى الدولى ومنذ الستينيات مقصورًا على الجرائم والأفعال المتعلقة بتهديد سلامة الملاحة الجوية والبحرية والأشخاص المشمولين بالحماية الدولية وعمليات اختطاف واحتجاز الرهائن، ومن ثم نشير إلى بعض التعاريف التى أوردتها الاتفاقيات الدولية لمفهوم الإرهاب والذى لم يتعد الحصر والعد والتوصيف دون الوصول الى التعريف الدال على الفعل المستهدف.. من هذه التعاريف  تعريف الجمعية العامة لعصبة الأمم (المقترح) عام 1937 ـ وهى الكيان الدولى الذى أعقب الحرب العالمية الأولى ـ بأنه «جميع الأفعال الإجرامية ضد دولة من الدول التى من شأنها بحكم طبيعتها أو هدفها إثارة الرعب فى نفوس شخصيات معينة أو جماعات من الأشخاص أو فى نفوس العامة» وكذلك  قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1999 بشأن إجراءات مكافحة الإرهاب الدولى وتضمن التأكيد على أن الأعمال الإجرامية التى من شأنها إثارة الرعب فى نفوس العامة أو مجموعة من الأشخاص لأغراض سياسية غير مبررة تحت أى ظروف ومهما كأنت طبيعة الاعتبارات السياسية أو الفلسفية أو الأيدولوجية أو الراديكالية أو العرقية أو الدينية أو أى اعتبارات أخرى تستغل لتبريرها.. وفى السياق ذاته يعرف الاتحاد الأوروبى الإرهاب بأنه «العمل الذى يؤدى لترويع المواطنين بشكل خطير، أو يسعى الى زعزعة استقرار أو تقويض المؤسسات السياسية أو الدستورية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لإحدى الدول، أو المنظمات، مثل الهجمات ضد حياة الأفراد أو الهجمات ضد السلامة الجسدية للأفراد أو اختطاف واحتجاز الرهائن، أو احداث اضرار كبيرة بالمؤسسات الحكومية أو اختطاف الطائرات والسفن ووسائل النقل الأخرى، أو تصنيع أو حيازة المواد أو الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، أو إدارة جماعة إرهابية أو المشاركة فى أنشطة جماعة إرهابية.

أما فيما يتعلق بتحديد تعريف للإرهاب على صعيد التشريعات الوطنية.. ففى تقديرى أن تحليل مفردة الإرهاب يتمحور حول ثلاثة اتجاهات هى: أن يكون هناك فعل إجرامى بمعنى أن يرتكب الفرد أو المجموعة أو المنظمة أى نشاط إنسأنى جرمه القانون النافذ ووضع له العقاب، وأن يكون هذا الفعل قد أحدث نتيجة إجرامية، أى أن يترتب على هذا الفعل إما ضرر مادى أو بشرى، وأن العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة متصلة غير منقطعة أى أن الأثر المتحقق هو نتيجة مباشرة للفعل الذى حصل.. واخيرًا  أن يكون هذا الفعل الذى رتب الأثر المشار إليه سلفا يجب أن يسعى لتحقيق غايات إرهابية، أى أن الفعل حينما يقع لنشاط فردى أو جماعى ولم يكن الهدف منه تحقيق غايات إرهابية فإنه يقع خارج نطاق التجريم الإرهابى ويخضع للقواعد العامة للتجريم، ويندرج ضمن نطاق أحكام القوانين العقابية النافذة.

ومن ذلك نستدل على أن الفعل الموصوف بموجب هذه التعاريف يجب أن يحتوى على ثلاثة عناصر متحققة فى آن واحد لا يفصل بينهما فاصل موضوعى، وفى حالة تخلف أى عنصر من تلك العناصر فإن الوصف يتجه خارج نطاقه. 

والسؤال الذى يطرح نفسه هو:  هل نحن بحاجة لتحديد تعريف للإرهاب؟   

الجواب كما أراه سيكون بالنفى، لأن القوانين توصف الأفعال، كنهج قانون العقوبات المصرى مثلا فى عدم تعريف الرشوة وغيرها من الأفعال التى عمد المشرع إلى تعداد الأفعال المجرمة دون تحديد تعريف لها وهذا يختلف عن نهج المشرع فى جرائم أخرى كتحديد مفهوم القتل بأنه إزهاق روح، والسرقة بأنها اختلاس مال مملوك للغير لأن تلك الأفعال المكونة لتلك الجرائم أفعال مجرمة استقلالا بمعنى أن إزهاق الروح يشكل جريمة مستقل وهذا الإزهاق للروح ذاته يشكل جريمة إرهاب إذا ارتكب تنفيذا لأعمال إرهابية، لذا أرى أن نتعامل مع الأفعال، حتى وأن أطلقنا عليها عبارات تختلف من حيث الشكل البنيوى مع كلمة الإرهاب، من أجل أن نقف تجاه الحالة وقفة تعالج الأوضاع وتتعامل مع الواقع ولا يُخرج تعريف الإرهاب من سياقه الذى أُريد به كمواجهة قانونية فاعلة ونافذة ضد من يتربص بأمن الوطن وينال من استقراره.