الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«هجمة مرتدة» لا نامت أعين العملاء!

على خط المواجهة يقف رجال هذا الجهاز العظيم أياديهم مبسوطة نحو قلب الوطن والذى تجاوزت نجاحاته آفاق المستحيل:

«هجمة مرتدة» لا نامت أعين العملاء!

على طاولة البلياردو تنطلق ضربة البداية، حيث تصطدم الكرة الرئيسية بالكرات المتراصة لتدفعها إلى مواقع مختلفة تحتلها أعلى الطاولة، هكذا تتلقى الخلايا الكامنة تكليفها فتنطلق إلى مركزها المحدد على أرض الوطن، من الوهلة الأولى تبدو مبعثرة إلا أن خيطًا رفيعًا يربطها يبدأ وينتهى داخل مبانى السفارات المشغلة لهم والرابضة فى القاهرة، الوقت ليس مبكرًا وأدوار اللعب لم تنته، الخلايا لم تمت بل تراجعت تكتيكيًا بعدما تعرض الكثير منها للانكشاف والحرق وعجزت مؤقتًا عن الصمود أمام المد الوطنى الذى بلغ ذروته يوم ٣ يوليو ٢٠١٣.. إذن الرهان كان على انحسار هذا المد ليبدأ اللعب من جديد.



■ ■ ■

 من جبال طوروس شمالًا إلى مضيق باب المندب جنوبًا يمتد مسرح عمليات الأمن القومى المصرى لا ينفصل عن حماية تفاصيل الأمن العربى، بطول هذا المسرح وعرضه تنطلق دبلوماسية المعلومات الرشيقة، تحكمها منظومة معقدة تتجمع خيوطها فى قلب القاهرة لا يمكن  فض تشابكاتها وفك طلاسمها إلا داخل معامل الوطنية المصرية فى الحى العريق شرق القاهرة، حيث جهاز المخابرات العامة الممتلئة مكاتبه برائحة الملفات العتيقة والخبرات المتجددة فى مدرسة هذا الصرح الذى تجاوزت نجاحاته آفاق المستحيل بعدما سيطر الإيمان بالوطن على قلوب وعقول الرجال، ومن أرشيف الوطنية تتدفق المعلومات والحقائق لتنساب إلى مفاصل الدولة ومؤسساتها فتربطها جميعًا بمصالح عليا لا تعرف سوى أمن وسلامة هذا الوطن، ومن أرشيف الوطنية المصرية تستمد الملفات العربية بصيرتها فتنير محيطها الإقليمى وسط ظلام الأطماع والمؤامرات التى لا تكف عن استهداف عقول الشعوب العربية.

■ ■ ■

عام ٢٠١١ ظن المتآمرون أن مصر أمكن إسقاطها لكنهم لم يعلموا أنها كانت محمولة على أعناق وسواعد الرجال، عملية امتصاص الصدمة بدأت على قدم وساق وانطلقت حملات جمع المعلومات  ثم تحليل مضمونها، رجال الجهاز يواصلون النهار بالليل لمحاصرة حالة السيولة والتسييل المتعمدة التى ضربت أرجاء البلاد، الجنود المجهولون المعلومون وجدوا أنفسهم فى سباق مع الزمن لتحقيق أهداف محددة تمثلت فيما يلى:

■ قطع الطريق على من ظن من الأفراد أو الجماعات أو الأجهزة أو الدول أن مصر أصبحت لقمة سائغة.

■ القيام بمجهود مضاعف لتعويض ما فات بسبب التعثر الإجبارى المؤقت لزملاء العمل الوطنى فى جهاز الأمن الداخلى.

■ سرعة تأمين الجبهة الداخلية بتحويل المعلومات السرية إلى ملفات يمكن استخدامها إعلاميًا لكشف الحقائق.

■ توجيه رسائل محددة للمتآمرين فى الداخل والخارج بأن تحركاتهم محل الرصد الدقيق.

■ التواصل المكثف مع الأطياف والرموز الفاعلة فى الحراك للشرح والتوعية.

■ تقديم رؤية واضحة من رحم الضباب الذى ضرب البلاد وقتها لتكون دستور عمل أمام صانع القرار فى ذلك الوقت.

■ إعادة توزيع الأدوار لعدم الاخلال بمنظومة العمل الرئيسية المنوطة بالجهاز.

إذن وجد رجال الجهاز أنفسهم أمام مهمة وطنية حتمية لوضع خريطة إنقاذ عاجلة لوطن على شفا الانهيار.

 

■ ■ ■

 قيمة الإيثار وإنكار الذات فرضت نفسها دستورًا لعمل الرجال، وبحلول عام ٢٠١٢ وجدوا أنفسهم أمام تحدٍ مهول وجدوا أنفسهم أمام تنظيم يعتنق التخابر عقيدة راسخة وقد أنجح مندوبهم للسطو على حكم الدولة، وقف الرجال أمام حالة منظمة تمكنت من خداع وتضليل الإرادة الشعبية ثم استخدمتها فى عملية منظمة لتفكيك الدولة، وقتها لم يكن أمام المقاتلين إلا مواجهة قدرهم لتنفيذ مايلى:

- سرعة تحقيق التناغم بين أجهزة المعلومات.

- الإصرار على مواجهة الجماعة الحاكمة بحقيقة هذه الأجهزة التى لا يحكم عملها إلا مصلحة الدولة وأمنها القومى.

- ترسيخ مفهوم شرعية بقاء وجود الدولة كقيمة تعلو شرعية حكمها وإدارتها.

- سرعة تحديد الرموز المخلصة والمدركة من أبناء الدولة لاستخدام مساحات التأثير التى تملكها تلك الرموز فى توسيع مساحات الوعى الشعبى.

- تحمل مشقة ومخاطر مواجهة الجماعة التى استولت على حكم البلاد بحقائق تعارض منهجها وتحركاتها وتواصلاتها وأهدافها مع الأمن القومى للبلاد.

- سرعة تأمين الجبهة الداخلية بكشف الحقائق وتبديد الشائعات.

كل هذا وهم مقيدون بفرضية الالتزام بدولة القانون والخضوع للإرادة الشعبية.

 أمام هذا الجهد المخلص وبإرادة من المولى عز وجل قامت ثورة الدولة المصرية فى ٣٠ يونيو، لتضع مصر أمام مواجهة تاريخية بعدما أحدثت صلابة الدولة المصرية صدمة مدوية تحولت لحالة انشطارية تحاول معاودة حصار الدولة المصرية وتقويضها لتنتقل الحركة من مرحلة التآمر إلى مرحلة التخطيط المعلن، حالة التشرذم المتعمد التى أدارتها أجهزة متعددة لحصار الدولة المصرية سرًا وعلانية اتجهت سريعًا لإشعال المحيط الإقليمى للوطن المصرى، لكن مصر التى تحكمها مكانتها وتاريخها لم تكن حركتها انغلاقًا على ذاتها أو دورانًا فى محيطها المحلى بل انفتاحًا وفتوحًا لتمكين الثورة من التواصل مع العالم الخارجى لشرح أسباب نبلها وسموها، مصر التى تحملت آلاما ودماءً زكية لم تحكمها لحظة دوافع انتقامية بل راحت تتحرك بقوة وقود وطاقة المسئولية الوطنية مترفعة على آلامها ومصرة على آمالها.

وفِى المحافل الدولية لم تخل طرقاتها من المتربصين بمصر وجدوا أنفسهم على موعد مع الرجال يقدمون وطنهم على قاعدة الندية الدبلوماسية، يقدمون وطنهم حاملًا لملفاته المليئة بالمعلومات، يقدمون وطنهم غير متآمر، لكنه يقف شامخًا يرفض أن يكون ضحية للتآمر، من داخل الملفات المتشابكة تسطع أنوار ثورة 30 يونيو العظيمة لتضيء لوطنها طرق السلام والبناء والمحبة والتواصل، من داخل أرشيف الوطنية المصرية تخطو مصر على هدى من أمرها مالكة لأدواتها المتاحة وتسيطر عليها وقادرة على استخدامها لخدمة ومصالح الوطن ولخدمة ومصالح الأشقاء العرب، بل ولخدمة الإنسانية، فى المحافل الدولية يقف الرجال متراصين مع أشقاء وزملاء الدبلوماسية المصرية فى ميدان الحرب الباردة التى حتمًا ستنصهر برودتها بفعل حرارة العمل الوطنى الدءوب لسيمفونية الإخلاص.

فيا أيها الغافلون وَيَا أيها المنخدعون إلى أين أنتم سائرون؟ إلى متى ستظلون تعتنقون الوهم بأن أموالكم وحصونكم وسدودكم المشيدة مانعتكم من أحضان الدولة المصرية؟ إلى متى ستظلون غير مدركين لكبرياء مصر الذى حتمًا ستجدونه محيطًا بكم أينما كُنتُم وأنتم لا تشعرون؟ مصر التى تخطو طريقها نحو المستقبل لا تغلق أبوابها أبدًا أمام المحبين للسلام، كما أنها لا تغلق أرشيفها أمام المتربصين الذين يصرون على زيادة حجم وتكلفة فواتير العودة لمصر.

■ ■ ■

 على خط المواجهة وعلى امتداد جبهة الوطن لا تقف الدولة وأجهزتها ورجالها مكتوفى الأيدى بل مبسوطة أيديهم نحو قلب الوطن، أعينهم لا تنام قلوبهم لاتهدأ نفوسهم لا تستكين، لا يعرف الملل طريقًا إليهم يقف الصبر حائرًا أمام صلابة إرادتهم، بينما العملاء الجدد فى انتظار جولة جديدة من التجريس، تتزايد أرصدتهم فى البنوك كما يتضاعف رصيد عارهم فى ذاكرة الوطن.

تحصن بعقلك وأنعش ذاكرتك، استدع شريط ذكرياتك، وأنت تشاهد عملًا دراميًا بحجم وعظمة «هجمة مرتدة»، استرجع مشاعر الألم وأنت تحبس أنفاسك أمام وطن كان على شفا حفرة السقوط، لا تيأس ولا تترك ساحة الوطن محلًا لعبث الخلايا، لا تترك مركزك فى معركة الوطن عرضة لاحتلال الخلايا التى بدأت تنشط، زاحمها واقطع طريق الوطن عليها، طاردها واكشفها ولا تدعها تتحرك مطمئنة على أرض الوطن، إياك أن يتمكن منك الملل فالوطن ليس نزهة أو نزوة أو اختيارًا، الوطن قدر وحياة ونضال، ورسالة تتسلمها الأجيال.