السبت 1 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 55

لغة الجينات 55

ليس غريبًا ولا مفاجئًا أن تسود بيننا «ثقافة الاستباحة» وهى إحدى أهم صفات أصحاب الجينات الخبيثة، والتى فى الظاهر تبدو اعتداءً على حق الغير سواء المادى أو المعنوى، الحصول على شيء ليس من حقك بالحيلة أو استساغة الامتهان..وفى الباطن تجبر.. استفزاز.. اعتداء واحتلال شرس ومُذِلٌّ  للروح.. تخلى المرء عن إنسانيته..استسلام وجرى وراء الأطماع  الشخصية.



أصحاب الجينات الخبيثة  فى الظاهر أدمنوا «استباحة»، أموال وحقوق الغير دون وجه حق.. ودون  مقابل.. وفى الباطن كرسوا هذه الثقافة حتى أصبحت  نمطاً أخلاقياً معتاداً نراه فى  تبرير فساد.. مطالبة بمزايا مالية لا يبررها منطق ولا عقل ، سرقة نص فنى أو أدبى وتنسبه لنفسك، عطايا ومزايا لا حدود لها.. استباحة طريق.. مرفق عام.. أموال عامة.

«ثقافة الاستباحة» وللأسف الشديد طالت حتى الثوابت والقيم والأصول تحت حجج وذرائع عديدة، منها دعوى الحريات.. عدم الحجر على الآراء، حرية النقد.

«صاحب الجينات الأصلية» لا يعرف ثقافة الاستباحة.. لا تستهويه.. لا يقدر على مجاراتها أو دفع ثمنها من كرامته وعزة نفسه.. يستحرم فعل تلك ما ينتقص منه ومن أخلاقه، يتجنَّب القيام بما يسيء إلى سمعته،. يعرف فقط  ثقافة»مراعاة حرمة الغير « فى كل شىء.

«ثقافة الاحترام» فى الظاهر.. احترام للذَّات والنَّفس.. صون للكرامة.. وفى الباطن رقى ونبل أخلاق.. حالة إنسانية أساسها نقاء السريرة.

«الدكتور فرج فودة» واحد من أصحاب الجينات الأصلية ممن عاشوا لنشر «ثقافة الاحترام».. وفقد حياته بسبب «ثقافة الاستباحة» التى تبنتها وعاشت بها الجماعات الإرهابية.

«الدكتور فرج فودة» فى الظاهر كاتب ومفكر وسياسى تثار حوله الكثير والكثيرمن الأقاويل، وفى الباطن صاحب رسالة وتميز بصفة يفتقدها الكثيرين وهى انه لم يهادن أو ينافق أو يمسك العصا من المنتصف عاش بثقافة احترامه لنفسه وفكره، ولذلك قتله الإرهابيون.

«الدكتور فرج فودة» فى الظاهر أبرز مفكر تنويرى مصرى فى النصف الثانى من القرن العشرين، وفى الباطن تخلى عنه الجميع وتركوه وحيدا يواجه جحافل من المتطرفين وأصوات كثيرة تبارت فى إصدار فتاوى التكفير والردة واستباحة دمه... نشروا فتاويهم فى الصحف، وبعد اغتياله لم يترددوا فى إصدار فتاوى تبرئ القتلة. وذهبوا بأنفسهم إلى المحكمة ليشهدوا ضد أفكاره وينقذوا قاتله!!

«دكتور فرج فودة» فى الظاهر صاحب رأى، ومثقف ومفكر، عضو بحزب الوفد وألف كتابا عن المستقبل فى ظل الحزب باسم (الوفد والمستقبل) عام 1982.. وفى الباطن انتصر لثقافته وآرائه واحترامه لذاته وأعلن استقالته من الحزب بعد تحالف الوفد مع جماعة الإخوان المسلمين سنة 1984.

ليدخل قادة الإخوان والجماعات الإسلامية إلى البرلمان كأعضاء فى حزب الوفد ولم يخجل الحزب من السقطة الكارثية التى قضت على سمعته وتاريخه بل استدار ليشن حملة ضد الدكتورفرج فودة ولم يفعل الوفد وحده ذلك بل ومعه حزب الأحرار والذى بسبب المصالح تحول هو أيضًا وقتها الى بوق من أبواق التيار المسمى بالإسلامى واصبحت له جريدة أخرى اسمها جريدة النور تحولت إلى منشور إخوانى صرف ونهشت هذه الجرائد فى سمعة الدكتور فرج فودة.

«الوفد والأحرار» فى الظاهر اتهموا الدكتور فرج فودة  بأنه كاذب ومزور فى درجته العلمية ولم يحصل  على شهادة الدكتوراه.. وفى الباطن كان الهدف إسكات الرجل الذى لم يستطيعوا مواجهته فقتلوه.

اتهاما قاسيا واجهه الرجل بشجاعة كبيرة ونشر صورة من شهادة الدكتوراه الصادرة من جامعة عين شمس وذكر أسماء المشرفين على الرسالة والمناقشين لها وكانوا جميعا على قيد الحياة.. ولم تكتب جريدة واحدة اعتذارًا عن تلك الأكاذيب.. ورفض الرجل  بشهامة أن يقاضى أى صحفى فى هذه الجرائد حتى لا يتسبب فى سجنه واعتبر ما يحدث له ضريبة يدفعها الشرفاء وثمنا يؤديه المخلصون لله والوطن عن طيب خاطر.

«ثقافة الاحترام» التى عاش بها الدكتور فرج فودة فى الظاهر اعتبرها البعض ضعفًا فبعد ان انتهت هذه القضية المفتعلة بدأت جريدة النور الناطقة باسم التيار الإسلامى  فى حملة جديدة ضد الرجل تتهمه فيها انه يعرض أفلامًا مخلة على الشباب أثناء الندوات فى إحدى الجمعيات النسائية.

غضب الدكتور فرج فودة لحجم الأكذوبة وأن ما حدث جريمة قذف كاملة الأركان وقام برفع قضية سب وقذف فى المحاكم وكسبها فى المرحلة الأولى ثم انتقلت إلى الاستئناف، وقدم المحامون عن الجريدة  أشياء لا علاقة لها بالقضية فى محاولة لتحويلها من جريمة قذف إلى محاكمة أفكار الدكتور فودة والتشكيك والطعن فى دينه.. وعندما شعروا أن قضيتهم خاسرة، فوجىء الدكتور فودة بزيارة الحمزة دعبس رئيس تحرير الجريدة وقتها ليعتذر ويبدى إستعداده لنشر تكذيب واعتذار فى الجريدة عن الخطأ الذى حدث، واعتبر الدكتور فرج فودة أن الزيارة والاعتذار يكفيان وكتب مقالا شاكرًا الحمزة دعبس على موقفه فلم يكن فودة من أصحاب اللدد فى الخصومة والعناد بل كان متسامحًا فيما يمسه شخصيا ولأقصى حد.

«الدكتور فرج فودة » فى الظاهر كان يعيش حياة عادية جدا.. لكن فى الباطن والذى لم يكن عاديا هو إصراره على موقفه وتقديمه حياته ثمنًا لأفكاره وآرائه وأن يظل صلبا حتى لحظة اغتياله فلم يتراجع رغم الضغوط الشخصية ومحاولات تشويهه والافتراء عليه.

ألم أقل لكم أن صاحب الجينات الأصلية يفضل  الموت بشرف حفاظا على أفكاره وآرائه ومبادئه وانتصارا لـ «ثقافة الاحترام» التى عاش بها ومن أجلها.. ألم أقل لكم أن «ثقافة الاستباحة».. استفزاز.. واعتداء واحتلال شرس و مُذِلٌّ  للروح.. وأنها استسلام تجعل صاحب الجينات الخبيثة يتخلى بسهولة عن إنسانيته.