السبت 5 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
إدارة أزمة سد النهضة

إدارة أزمة سد النهضة

أحيانا تفرض على الشعوب معارك تخوضها النصر فيها تحسمه الإرادة الصلبة، وعدالة القضية، وقوة الحجة وسلامة المنطق، وقبل كل هذا هو النجاح فى إدارة الازمة بحكمة ووعى ورشد، تزخر كتب التاريخ القديم والحديث بصور عديدة من الخلافات التى حسمتها الجيوش، وأخرى كثيرة حسمتها المفاوضات، الازمة الراهنة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى مرشحة للانفلات بسبب تعنت إثيوبيا واصرارها على الاستئثار بمياه النيل وحرمان دولتى المصب مصر والسودان من حصتهما المائية التاريخية فى خرق سافر للقوانين الدولية، وتحد وعناد بالغ يتجاوز كل الأعراف وقيم التعايش التى تراكمت على ضفاف النهر بين الشعوب الثلاثة عبر التاريخ. 



لم يتبق فى قصة سد النهضة الإثيوبى سوى السطر الأخير الذى قد يثير الألم، أو يجسد الامل فى نفوس شعب، تاريخيا، قدس النيل، وقديما أله الحاكم الذى يحمى النهر الذى تحلق حول مجراه المصريون، يستمدون منه أسباب الحياة، يروى الظمأ، يسقى الزرع، يخرج من بطنه الطيبات من الرزق، ويحمل فى طميه الرخاء والخصب والنماء، قصة مصر مع النيل أسطورة ممتدة عبر الزمن، حكايات ترويها كتب التاريخ، ومرويات لا تخلو منها الكتب السماوية المقدسة، فعلى ضفاف النهر بنى المصريون حضاراتهم الإنسانية المتعاقبة، لقد ارتبط اسم مصر عبر التاريخ بنهر النيل، رغم ان النهر الأطول فى العالم يمر بإحدى عشر دولة افريقية لن تصادف أو تجد من يحصيها سوى قلة نادرة من الباحثين والمتخصصين. أنا لست مع المؤرخ الاغريقى هيرودوت صاحب مقولة مصر هبة النيل، من وجهة نظرى الاصح والأسلم والأوقع أن النيل هو هبة السماء لمصر، فمن المؤكد علميا أن مصر موجودة قبل النهر الذى نحت مجراه وشق طريقه الحالى من المنبع الى المصب قبل 30 مليون سنة فى جغرافية منحدرة قائمة وموجودة كان يعيش عليها الانسان المصرى البدائى الأول فى ذاك الزمن البعيد الموغل فى القدم الذى اتسم بالقصور المعرفى باستثناء ما سجله الفراعنة على جدران المعابد القديمة.

النيل فى مصر ليس مجرد شريان مائى كما يصفه الجغرافيون، بل هو بالتأكيد شريان للحياة، هو الحبل الصرى الذى يربط المصريون بأرضهم، ويهب أجيالهم المتعاقبة القدرة على التكاثر و العيش والتنفس، فمصر والنيل متلازمة كونية (بمعناها الإيجابي) لا تنفصل، وأن ما وهبه الله لمصر (كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي) لا يمكن لبشر ان يمنعه، وأنا ممن يثقون تماما فى النهج الذى تتبناه الحكومة المصرية فى إدارة أزمة قضية سد النهضة الذى يمثل بقاؤه خطرا وجوديا آنيا ومستقبليا، الرئيس عبد الفتاح السيسى من جانبه يدير الأزمة، بهدوء وحكمة وصبر وأناة بعد أن رسم خطوطا حمراء فاصلة واضحة المعالم للأمن المائى المصرى والعربى.

مصر الدولة تدرك الان أنها أمام أزمة حقيقية قادرة على اجتيازها بحكمة القائد ووعى الشعب وتلاحمه الاستثنائى والتفافه حول قيادته ثقة بها ووعيا منها بضرورات المرحلة وحتمية استمرارية وصيرورة جريان نهر النيل فى ربوع مصر شاقا طريقه من الصعيد الى الوادى ينثر الخير، ويزرع الامل المتجدد، تمتزج قطرات مياهه بخلايا ودماء المصريين لتنتج أجيالا قادرة على حمايته، ومواجهة التحديات التى تواجهه من المنبع الى المصب على طول المسافة التى تسيح فيها الجغرافية لتشكل أمنا مصريا قوميا خالصا ليس بوسع احد تجاهله، أو التفريط فيه، أو التغافل عنه، أو الانتقاص منه، مصر بشعبها قادرة على تجاوز كل التحديات الراهنة والمستجدة.