الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 60 (2-2)

لغة الجينات 60 (2-2)

«أصحاب الجينات الأصلية» لا يعرفون الجحود.. فالعطاء عندهم فريضة واجبة.. سر حياتهم.. فى الظاهر والباطن اعتادوا على العطاء بلا مقابل.. اعتادوا أن يعطوا بشكل عام وبسعادة، واعتاد الآخرون أن يأخذوا ببرود.



«صاحب الجينات الأصلية اعتاد أن يعطى ملتزماً، واعتاد «أصحاب الجينات الخبيثة» أن يأخذوا دون شكر.

«الشيخ على عبدالرازق» واحد من أصحاب الجينات الأصلية الذين وهبوا حياتهم للعطاء.. ورغم الجحود الذى قوبل به عطاءه لم يتوقف يوما عن مهمته التى وهب لها نفسه.. مهمة تنوير الأمة.

الشيخ على عبدالرازق فى الظاهر قاض شرعى تعلم فى الأزهر.. وفى الباطن مصلح اجتماعى كبير.. أصدر كتبًا كثيرة لكن كتابه «الإسلام وأصول الحكم» كان بمثابة القنبلة، فقد فجر فيه تابوهات مقدسة روجها المتشددون والمتزمتون دينيًا، وفند أكاذيب المؤيدين لفكرة الخلافة والداعمين لها، والمؤيدين للوصول إلى السلطة عن طريق الدين، وتوقع ظهورالإخوان وداعش وولاية الفقيه قبل قرن من الزمان.

«أصحاب الجينات الخبيثة» والجاحدون وجدوها قصة عظيمة للنيل من الرجل.. فى الظاهر أقاموا محاكمة صورية ووهمية وفى الباطن كان القرار قد صدر من القصر وتحديدا من الملك فؤاد.. فصله من الأزهر، واتهامه بالكفر، وسحب درجته العلمية، والفصل من القضاء. «الشيخ على عبد الرازق «فى الظاهر كان منحازًا إلى الدولة المدنية... وفى الباطن كان على يقين أن الدولة الدينية سينشأ عنها قوى دينية متصارعة تتقاتل مع بعضها من أجل الحكم وباسم الدين، وهو ما سينتج عنها تشويهًا للدين ودمارًا للدنيا وتدميرًا للإنسانية، وتوقع أن تنشأ جماعات تدعى الدفاع عن الإسلام وهى فى الأصل تعمل من أجل شيء آخر ليس من الإسلام فى شيء، ولا يمت إلى الدين والعقيدة.

غضب الملك فؤاد.. وجحود تلاميذ الشيخ على عبدالرازق وزملائه فى الأزهر فى الظاهر كان بسبب نصرة الدين.. وفى الباطن كانت بسبب أفكار الشيخ الذى هدم معبدهم وكشف الكهنوت الذين يعيشون فيه فالملك فؤاد يعد نفسه للحصول على لقب الخليفة... بعد أن ألغى أتاتورك مهام الخلافة، فإذا بعلى عبد الرازق ينسف الفكرة من الأساس.

«الجحود ونكران الجميل طاردًا الشيخ على عبدالرازق سرا وعلانية فى الظاهر صدرت كتب تفند رأيه وفى الباطن نظم أصحاب الجينات الخبيثة برعاية الملك فؤاد نفسه، عاصفة من الاحتجاجات ومظاهرات غاضبة فى الجامع الأزهر تكفر الرجل وتطالب بمحاكمته وفصله. العاصفة والمؤامرة ضد الشيخ على عبدالرازق امتدت إلى «هيئة كبار العلماء» ونظموا للرجل محاكمة بقانون صدر خصيصًا له.. المحاكمة بدأت بعدم رد الأعضاء وعددهم 25 للسلام الذى ألقاه» الشيخ عبد الرازق»، ولم يسمعوا رده على الاتهامات وأصدروا الحكم سريعا.

بعد الحكم الشيخ على عبدالرازق فى الظاهر ترك مصر كلها ورحل إلى باريس وفى الباطن ظل طيلة 20 عامًا يناضل من أجل أفكاره الجريئة المنادية بمدنية الدولة، وفصل الدين عن السياسة، وفى العام 1945 وخلال حكم الملك فاروق تولى الشيخ مصطفى عبد الرازق شقيق الشيخ على مشيخة الأزهر، وقام الملك فاروق بتشكيل لجنة من علماء الأزهر للنظر فى الكتاب مرة أخرى، وانتهت اللجنة إلى أن الكتاب لا يتعارض مع صحيح الدين، وبناء عليه ألغى الأزهر قرار كبار هيئة العلماء وعاد الشيخ معززًا مكرمًا لبلاده وتولى منصب وزير الأوقاف فى العام 1947.

احذر من الجحود ونكران الجميل فهى دليل قاطع على خسة النفس، واعلم أن طبيعة الجحود والنكران والجفاء غالبة على نفوس أصحاب الجينات الخبيثة، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك وأحرقوا إحسانك ونسوا معروفك بل ربما ناصبوك العداء ورموك بسهام الحقد الدفين لا لشيء إلا لأنك أحسنت اليهم.