الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 61

لغة الجينات 61

هداية الله تعالى للعبد وإضلاله، هى أصل الظاهر والباطن، هى الحد الفاصل مابين من ينتقيهم المولى عز وجل ويمنحهم جينات أصلية، ومن يعيشون بجينات خبيثة.



«الهداية» أفضل ما يقدِّره الله تعالى للعبد، فهى من أعظم النِّعم والعطايا، لأصحاب الجينات الأصلية وأعظم ما يبتلى به أصحاب الجينات الخبيثة هو الضَّلال.

«الهداية» فى الظاهر بيد الله تعالى، أمرٌ من عند المولى عز وجل، يُنعم به على من يشاء من عباده، وفى الباطن منحة ونور لمن كان أهلاً للهداية.

«العبد» مطالب بالأخذ بأسباب الهداية، مُطالَب بالصبر والثبات والبدء بطريق الاستقامة، فقد وهبه الله عز وجل عقلا منيرا، وإرادة حرة، يختار بها الخير من الشر، والهدى من الضلال، فإذا بذل الأسباب الحقيقية، وحرص على أن يرزقه الهداية التامة منحه الله.

«الهداية «غيرت مصير ومسيرة الإمام محمد عبده.. «عبقرى التنوير وإمام المجددين.. فى الظاهر لم يكن الإمام سعيدا بدراسته فى الأزهر الذى قضى فيه ثلاث سنوات دون أن يجنى منه أى فائدة فتركه.. وفى الباطن اختفى عند أقارب والده فى قرية بعيدة ثلاثة أشهر التقى فيها بمن سيكون طريقه للهداية... هناك التقى «الشيخ درويش «الذى قرأ عليه بعض معارف الصوفية وآداب النفس وترويضها على مكارم الأخلاق، فأخرجه هذا الشيخ من جحيم الجهل إلى فضاء المعرفة ومن قيود التعليم إلى إطلاق التوحيد.

« هداية « الإمام محمد عبده فى الظاهر وقفت عند الشيخ درويش الذى كان مفتاح سعادته.. وفى الباطن كان مجرد بداية للطريق.. فبعدها ذهب إلى طنطا وعند السيد البدوى رأى مجذوبًا يقول ما معناه: ما أحلى حلاوة مصر البيضاء... ليرد عليه الإمام متهكمًا : وأين الحلوى التى معك؟

فينظر له المجذوب بثبات قائلا: سبحان الله من جد وجد.. وينصرف.. فهم الإمام محمد عبده الرسالة.. عرف الطريق.. المجذوب ساقه الله ليحمله على طلب العلم فى مصر دون طنطا... يعود للأزهر الذى هرب منه ويتفرغ لطلب العلم.

«هداية» الإمام محمد عبده فى الظاهر أنارت له الطريق.. وفى الباطن كان هو نفسه الطريق لهداية أتباعه.. فما حذر منه قبل 150 سنة تحقق، فقد كان بفكره الثاقب يرى أن استخدام الدين مطية للسياسة يضر بالدين والسياسة معاً، وأن وصول التيارات التى تستخدم الدين وسيلة للحكم فى بعض الدول يضر بالدين وبالسياسة وبالحياة.

«الإمام محمد عبده « فى الظاهر سار شيخا أزهريا.. وفى الباطن إمام مجدد فقد نادى من منتصف القرن التاسع عشر بالإصلاح الدينى، وتجديد الفكر الإسلامى... طالب بتدريس العلوم الرياضية والفلسفية والكلامية.. ودعا الناس إليها وتصدى لمشايخ الأزهر وطلبته ممن زعموا أن تلقى تلك العلوم يفضى إلى زعزعة العقائد الصحيحة... واستطاع أن يحقق بعض النجاح وأن يقوم ببعض الإصلاحات وأن يجعل الحساب والجبر ضمن مناهج التعليم بالأزهر.

وقتها قال إن فى مصر قضاة ومحامين وأطباء محترفين، لكنك لاترى فى الطبقة المتعلمة الرجل الباحث ولا المفكر ولا الفيلسوف ولا العالم لاترى الرجل ذا العقل الواسع والنفس العالية والشعور الكريم.. ذلك الذى يرى حياته كلها فى مثل أعلى يطمح فيه ويسمو إليه.

«الإمام محمد عبده» فى الظاهر كان متمردًا بطبيعته وفى الباطن، يؤمن تمامًا بحرية العقل وبقدرة الإنسان على التمييز بين الفعل الأخلاقى، وغير الأخلاقى وعمل طوال عمره على تحرير الإنسان.

«الإمام محمد عبده» فى الظاهر أحد أهم العلماء الذين قاموا بفتح باب الاجتهاد، وإعمال العقل، وفى الباطن حاول طيلة عمره أن يخلص الفكر الدينى والفكر بصفة عامة من أى من الأفكار التقليدية العقيمة، قائلا: «إنه لا توجد وصاية على العقل ولا يوجد أى تفويض إلهى لأى بنى آدم»

«الهداية « هو الطريق الذى أصر عليه الإمام محمد عبده حتى فى الظاهر عندما تم تعيينه مفتيًا للديار المصرية كان فى الباطن يعتقد الخديو عباس أنه سيكون لينًا يسمع الكلام وينفذه ، فساءت علاقتهما سريعا وكان يشوبها شىء من الفتور، الذى ظل يزداد على مر الأيام، خاصة بعدما اعترض على ما أراده الخديو من استبدال أرض من الأوقاف بأخرى له.. وطالب الخديو بدفع عشرين ألفًا فرقًا بين الصفقتين.

فى الظاهر تقبل الخديو الأمر وفى الباطن تحول الموقف إلى عداء سافر، فبدأت المؤامرات والدسائس تُحاك ضد الإمام الشيخ، وبدأت الصحف تشن هجومًا قاسيًا عليه لتحقيره والنيل منه، ولجأ خصومه إلى العديد من الطرق الرخيصة والأساليب المبتذلة لتجريحه وتشويه صورته أمام العامة؛ حتى اضطر إلى الاستقالة من الأزهر، ورحل بعدها بقليل عن الدنيا وقد بلغ ستة وخمسين عامًا.

ألم أقل لكم إن أعظم وأشرف وأجل نعمة يمتن الله – جل وعلا - بها على عباده هى نعمة الهداية... ولا نجاةَ من العذابِ ولا وصولَ إلى السعادةِ إلا بها...اللهم إننا نسألك النور والهداية.