
صبحى شبانة
التعليم.. من التخريب إلى التطوير «1»
بعد أن هدأت توابع العاصفة التى خلفتها نتيجة الثانوية العامة للعام الدراسى المنقضى، أرى أن الفرصة باتت سانحة ومواتية للخوض بهدوء فى هذا الملف الشائك، الذى واجهته الدولة بجرأة وجسارة، وسخرت له كل إمكانياتها، ورصدت له مبالغ ضخمة أرهقت ميزانيتها، مشروع تطوير التعليم كان هاجسًا لكل الحكومات المتعاقبة قبل عام 2013 ولعقود طويلة مضت، لكن جميع محاولاتها لتطبيقه باءت بالفشل لأسباب عديدة منها: عدم توفر الإرادة السياسية، فشل وزراء التربية والتعليم المتعاقبين فى وضع استراتيجية متكاملة للتعليم الإلزامى لذا جاءت كل محاولات التطوير السابقة خجولة وهشة وفاشلة، تراخى الدولة فى مواجهة أصحاب المصالح من بارونات الدروس الخصوصية، وتجار الكتب الخارجية، وأصحاب المدارس الخاصة والأهلية والأجنبية، وغيرهم كثيرون، حكومات ما قبل 2013 كانت ترى فى التعليم كمًا لا كيفًا، كانت تنظر إلى اقتصاديات التعليم ولا تلتفت إلى مخرجات التعليم، أما وقد تبدلت الأوضاع وأصبحنا نعيش فى عصر الجمهورية الجديدة التى وضعت التعليم الجاد والهادف على رأس قائمة أولوياتها، وحظى مشروع تطوير التعليم باهتمام خاص من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى جعل من بناء الإنسان منذ اللحظة الأولى لانتخابه رئيسًا هدفًا وغاية، وهو ما يدفعنى لأن أشيد بخطط الدولة وأدعوها إلى السير قدمًا فى تطوير منظومة التعليم الذى أراه بات حتميًا وضروريًا للحاق بركب العصر، ومواكبة المدنية التى تستلزم تغييرًا جذريًا فى كل مفاهيم وآليات العملية التعليمية بكل عناصرها وهياكلها ومقوماتها، وليست فى طريقة الاختبارات فقط، ولا يجب أبدًا الالتفات إلى الأصوات الرافضة من أصحاب المصالح التى تصر على استمرار نهج تعليمى انتهت صلاحيته، وفقد جدواه، وبات متخلفًا لا يساير نظم التعليم العصرية الحديثة التى تعتمدها وتطبقها كل الدول من حولنا منذ سنوات طويلة، الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، والتعليم الفنى واجه ولا يزال بصلابة وصلادة كل المعوقات والضغوط والتحديات الجمة والضارية التى كانت كفيلة ليست باستقالته فقط بل ربما بالقضاء عليه نفسيًا ومعنويًا كمدًا واكتئابًا، لولا أن الرجل يحمل فى دواخله مشروعًا للنهضة التعليمية يؤمن به ويتبناه، ويحظى بدعم ورعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أرسى دولة حديثة قوامها التعليم الجاد والمتطور، ومدفوعًا بتشجيع من غالبية المصريين لمشروع نهضة تعليمية يعيد لمصر مكانتها الريادية التى كانت أحد مكوناتها الثروة التعليمية التى أفرزت معلمين أكفاء، وأطباء ومهندسين نوابغ، ومتخصصين مهرة فى جميع المجالات والمهن ساهموا منذ خمسينيات القرن الماضى فى عصرنة كل الدول العربية والإفريقية، التى هى الآن تحتل مكانة متقدمة بتنا نرنو إليها ونغبطهم عليها.
أعلم أن مشاكل التعليم فى مصر كثيرة ومتشعبة ومتراكمة ومتجذرة، وأن عناصر الشد والجذب للخلف فيها أضعاف أضعاف عناصر الدفع إلى الأمام، وأعلم أيضًا أن ما تم حتى الآن فى منظومة تطوير التعليم «رغم أن المشروع لا يزال فى بداياته» هو ثورة حقيقية بكل المقاييس والمفاهيم، ما كان لها أن تنجح لولا توافر الإرادة السياسية الفولاذية التى نلمسها واقعًا فى كل الملفات والمجالات التى تواجهها الدولة بنجاح وثقة واقتدار، وإذا كنا نشيد بمحمد على الذى يذكره التاريخ بإرساله لعدد «رغم محدوديته» من المبتعثين المصريين للتعليم فى الخارج، فإن التاريخ حتمًا سوف ينحنى إجلالًا وتقديرًا وعرفانًا للرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يستثمر بسخاء وعلم فى بناء الأجيال، ويطور من نظم تعليمية متهالكة صدرت لنا مخرجات شكلت فى غالبيتها عبئًا على الدولة والمجتمع، فلم يكتف الرئيس فقط بابتعاث الطلاب للخارج بل جلب إلى مصر أكبر وأفضل وأعرق جامعات العالم فى كل فروع العلوم والآداب لتظل شواهد حية على عصره الذى إحدى سماته توطين التعليم الجاد الذى يسهم فى بناء دولة فتية حديثة قوامها الإنسان المصرى المتعلم بجد.
تطوير آليات التعليم، وتغيير أنماط الاختبارات، وتحديث المناهج مجرد خطوة فى طريق طويلة وعرة لا بد من أن تواكبها إجراءات صارمة للقضاء على الظواهر السلبية التى أفسدت التعليم، وأرهقت الدولة، وأنهكت أولياء الأمور، لا بد أن تتكاتف فى ذلك الإدارات المحلية المنتشرة فى جميع ربوع مصر، فالموضوع لا يخص فقط وزارة التربية والتعليم التى أرى أنه من الواجب بل من الضرورى أن تكون لديها شرطة خاصة بها على غرار شرطة التموين، وشرطة الكهرباء، وشرطة النقل والمواصلات، للقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية التى تفشت، فلا يمكن لمشروع تطوير التعليم أن ينجح فى ظل مدارس فارغة، وسناتر مفتوحة غير آدمية محشوة بالطلاب تنشر الجهل والأوبئة وتتحدى إرادة الدولة، وقلة من المدرسين ربما بعضهم غير مؤهلين ومؤدلجين ينشرون الإرهاب والتطرف، ويبثون سمومهم فى جماجم أطفالنا وأولادنا.
(للحديث بقية)