السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الحضارة المصرية أولى الحضارات إبداعًا فى لعب الشطرنج ووصف المعركة

الحضارة المصرية أولى الحضارات إبداعًا فى لعب الشطرنج ووصف المعركة

بداية علينا أن نشيد بطرافة بعض موضوعات التاريخ لمجرد أنها بطبيعتها طريفة فى موضوعات كثيرة مثل موضوع قطع اللعب والتى أصبحت من سمات الترفيه فى الحضارات القديمة فى نفس الوقت لأننا نستطيع أن نقول وبدون مبالغة إن تاريخ قطع اللعب ورقاع اللعب ضارب بجذوره فى تاريخ الحضارة الإنسانية أكثر مما نتخيل، فرحلة قطع اللعب قد تعود لأكثر من 7000 سنة وهى بالتالى تغطى مساحة عملاقة من التاريخ كما أنها أيضا تتيح للمتلقى التنقل بين أكثر من 6 حضارات عريقة مثل الحضارة الفرعونية والهندية والصينية وغيرها. 



تعتبر رحلة البيادق والملوك رحلة عميقة كما قلنا وهى قد ترجع لأقدم من 7000 عام هو عمر أول نص يذكر فيه لعبة شبيهة بلعبة البيادق والملوك والتى تستخدم فيها الرقاع والقطع المجسمة والتى تعبر عن شكل ما للعب والترفيه واختبار مهارات الذكاء هذا النص هو جزء من نص للتاسوع المصرى القديم والذى يعبر أساسا عن الديانة الفرعونية وفيه أن نوت أى السماء قد انفصلت عن حبيبها وأخيها جب أى الأرض بفعل تدخل شو أى الهواء بينهما لما كانت جب ونوت يحبون بعضهما قررت نوت أن تلعب مع خنسو أى القمر (لأن السنة المصرية سنة قمرية وتتحكم دورة القمر فى التقويم) لعبة الداما بحيث ربحت منه اربعة أيام هي النسىء فى التقويم المصرى التقت فيها بجب وأنجبت منه أربعة أبناء إيزيس وأوزوريس وست ونفثيس.. لكن ما هى لعبة الداما؟ هى لعبة فرعونية قديمة عبارة عن مجموعة قطع حجرية أو خشبية تتحرك بقانون حسابى فوق رقعة من المربعات مصنوعة من لوح خشبى وكانت هذه اللعبة هى نواة ألعاب كثيرة مثل الشطرنج والداما الصينية والعديد من الألعاب الشهيرة فى الحضارت الأخرى واكتشفت هذه اللعبة فى معظم المقابر المصرية القديمة من عصر الدولة القديمة وحتى نهايات العصر الرومانى بل وانتقلت بأشكال شعبية كثيرة بدون الحاجة لرقعة بحيث تخطط على الرمال مجموعة من المربعات وتستخدم بذور الثمار أو قطع الأحجار فى اللعب ومازال العوام فى ريف مصر وصعيده يلعبونها بأسماء مختلفة (السياجا – السبعاوية). 

وإذا انتقلنا إلى القارة الآسيوية وجدنا أن الصين وخلال إمبراطورياتها المتتابعة كانت تمارس هذه الأشكال من الألعاب بشكل موسع ومن خلال أجيال كثيرة ومتطورة من تلك الألعاب التى تستخدم فيها الرقاع المقسمة وقطع اللعب لكن فى الحضارة الصينية القديمة فمنذ بداية حكم أسرة زهو والتى تبدأ فترة حكمهم قبيل الألف الأولى قبل الميلاد بقليل وتنتهى فى القرن الثالث قبل الميلاد كانت هذه الفترة فترة علم وثقافة حيث اهتم ملوك الأسرة بالفن والعلوم وظهرت رقاع اللعب فى كل منزل تقريبا بل ويقول روبرت هويزنجا المؤرخ الهولندى فى أحد كتبه (أن رقاع اللعب والتى تشبه الداما إلى حد بعيد كانت تستخدم فى الصين فى القرن الثامن قبل الميلاد للعرافة وأعمال السحر) ونحن لا نستبعد ذلك فهناك أسرار كثيرة فى علوم الحضارات القديمة لم تكتشف بعد على أية حال تميزت رقاع اللعب وقطعة فى الصين على مدار 800 عام بأنها كانت مجالا لإظهار الفنون وتقنيتها حيث وجدت العديد من رقاع اللعب والقطع المستخدمة تنم عن ذوق وحرفية عالية المستوى وتذوق عميق للفن، وسواء استخدمت رقاع اللعب فى أشياء أخرى أو لا فإننا نؤكد أنها كان الغرض الأساسى من اللعب بها إعمال الفكر فى مهارات ترفيهية مفيدة. 

لكن الحقيقة أن تحول رقاع اللعب وقطعة للشكل الأكثر تعقيدا مر بمراحل كثيرة ومنها تلك المرحلة التى مرت بها رقاع اللعب فى بلاد الإغريق والتى اقتربت أكثر من الشكل الحالى المعروف لكن قبل أن نقول ان الشطرنج كاد يأخذ شكله الطبيعى فى بلاد الاغريق وخصوصا أيونيا (اسيا الصغرى – تركيا حاليا) نحن نميل أكثر إلى أن الأغريق نتيجة احتكاكهم بالفرس فى أقليم بارثوا (هضبة بلاد فارس) ولمدة طويلة بعد سقوط مملكة ليديا الفاصلة بينهما وبعد أن أدى هذا الاحتكاك فى النهاية للصراع المحتوم فى الحروب الفارسية اليونانية، هذا الاحتكاك ربما هو السبب الرئيسى لانتقال اللعبة من بلاد الفرس إلى بلاد اليونان كما انتقلت أشكال حضارية كثيرة مثل استخدام العملات المسكوكة وغيرها من أشكال التقدم الذى أخذها الإغريق من الفرس، وعلى اعتبار أن هذه الفرضية مسلم بها علينا ان نتساءل من أين أخذ الفرس هذه اللعبة بهذا الشكل المنظم؟ وهل ابتكروها أم الفرس مجرد منقلين للعبة؟ 

الحقيقة أن الفرس لم يكونوا هم المبتدعون الأول لهذه اللعبة بل كانت بلاد الهند على الأرجح هى التى ابتدعت اللعبة بشكلها الأولى كحرب أو معركة بل وحفظ لنا مرجع كبير وعمدة من كتب التراث هذه الواقعة الشهيرة وكيف ابتدع الهنود لعبة الشطرنج وكيف انتقلت بلاد الفرس ، وهو الكتاب الشهير الشاهنامة والذى يروى تاريخ بلاد الفرس منذ العصر الأسطورى وحتى نهاية الدولة الساسنية والذى كتبه العلامة الفارسى الفردوسى الطوسى، والشاهنامة والمعروف بمكتاب الملوك يقول أن الملك كسرى (خسرو) انوشروان أى الروح السعيد كان يفرض سيطرته على أجزاء كبيرة من الهند ويأخذ منهم الجزية وفى يوم أتى إليه (الداى) أى الوالى الهندى وقال له أننا سوف نقدم اليكم لعبة بها لغز لو استطعتم حلها سوف ندفع الجزية مضاعفة ولو لم تستطيعوا حلها يتم أعفاؤنا من الجزية، وكان كسرى انوشروان محبا للعلم والمغامرة فوافق بالطبع كانت هذه اللعبة الشطرنج واستدعى مستشاره الخاص الحكيم الشهير برزجمهر والذى قضى ليلة كاملة فى محاولة حل شفرة اللعبة ونجح بالفعل بل وقدم للداى الهندى لعبة بسيطة اخترعها هو عبارة عن مكعبات من فروع الأشكار محفور عليها الأرقام وهى النرد المعروف حاليا حتى أن كلمة نرد كلمة فارسية تعنى فروع الشجر والتى صنع منها بزرحمهر اللعبة ومازالت أرقام النرد تنطق فى اللعب بالفارسية حتى الآن (يك – شيش – جوهار إلخ). 

لكن كيف نشأت اللعبة فى الهند؟ يقول الفردوسى فى كتابه أيضا نقلا عن كتب الحكمة الهندية أن فى بلاد الهند كان هناك إمارة يحكمها ملك قوى تزوج وأنجب من زوجته ولد اسمه طلخند ثم مات الملك وتزوجت الملكة من بعده رجلا آخر انجبت منه ولدا اسمته جوا ثم مات هذا الزوج أيضا ولما كبر الولدان تنازع الأخ الأصغر مع الآخر الأكبر على الحكم على الرغم من أن الولد الأكبر أحق بالحكم لأن والده هو الملك الحقيقى لكن الأخ الأصغر جرد جيشا وذهب لمحاربة أخيه الأكبر وفشلت كل محاولات الأخ الأكبر الطيب فى احتواء اخيه حتى أنه قال له تعال واطلب منى الحكم أعطيه لك ولا داعى للحرب لكن جوا الأخ الأصغر أصر على الحرب ولما التقى جيش الأخوين وقف كل منهما قبالة الآخر الجنود امام الجنود والفياله أى راكبى الأفيال أمام الفيالة والملك أمام الملك وهكذا وقبل بداية المعركة طلب الأخ الأكبر من قواته عدم المساس بأخيه بأى شكل من الأشكال وبدأت الحرب وأخذ جيش الأخ الأصغر جوا يتساقط وكل القوات تتحاشى قتاله وبعد أن اندحر جيشه وولى الأدبار ظل فى مكانه ومن مرارة الهزيمة والخجل من أخيه الأكبر مات جوا ولما وصلت الأخبار للأم ظنت أن ابنها الأكبر قتل أخاه الأصغر ولما وصل طلخند منتصرا أخذ يهدئ من روعها ويشرح لها كيف مات اخوه مخنوقا من الخجل والهزيمة وأمر بصنع نموذج مصغر للجيش ليشرح لأمه خط سير المعركة ومع الأيام أصبحت الأم تتسلى بوصف المعركة على هذا النموذج المصغر وشيئا فشيئا شاع استخدام الشطرنج لتخطيط المعارك وللتسرية عن النفس.. وهكذا كان ظهور اللعبة وكلمة شطرنج كلمة هندية سسنسكريتية وتعنى (الفرق الخمس) أى أجزاء الجيش عند الهنود والتى تتكون من الفيالة وركاب الخيل والطوابى والجنود والملك. 

بعد ذلك انتقلت اللعبة من الفرس إلى العرب فى وقت مبكر حتى قبل سقوط دولة بنى ساسان بعد الفتح الإسلامى وتغيرت مصطلحات اللعب نوعًا ما ثم نقلها العرب لأوروبا عن طريق الأندلس ومازالت كلمة (جا كو يا مات) والتى تعنى مات الشاه بالإسبانية مأخوذة مباشرة من العربية كما يظهر علم فقه اللغات الرومانسية وكانت الكلمة التى تقال عند هزيمة الخصم (الشاه مات) أى الملك بالفارسية لكن الأوروبين بعد اختلاطهم بالعرب عن طريق التجارة والغزو وبعد أن أصبح الشيخ هو رمز القائد العربى تغيرت الكلمة لـ(شيك مات) أى مات الشيخ أو انتهت اللعبة.... 

أنها رحلة طويلة عبر تاريخ الحضارات والزمن... طرافتها فى أنها تعيش حتى يومنا هذا.